عبدالهادي الصالح
لعل من اشد مصائب الانسان ان يتم اخراجه قهرا من وطنه، وقد مارس الظالمون العتاة على مدى التاريخ مثل هذه العقوبة الموجعة حتى وان سميت بـ «النفي» تلطيفا ايام الاستعمار ضد الوطنيين المقاومين، وقد تسمى بعملية «التطهير» لطرد بني الاعراق غير المرغوب بهم في البلاد كحملة عنصرية.
وقد يسميها البعض «التهجير» كما فعلها الطاغية المقبور صدام ضد العراقيين المعارضين له، رغم ان التهجير اخذ من اصل اسلامي كمصطلح مقدس «الهجرة» وقد يكون فعله مندوبا او واجبا شرعا عندما يفتتن المسلم بدينه فيخشى عليه فيهاجر من وطنه الى غيره حماية لدينه وعرضه، ونحن في الكويت بلد الديموقراطية والحقوق والحريات الدستورية والامن والسلام تحت قيادة سياسية حكيمة، لكن ابتلينا بما يسمى بـ «التسفير» حتى اصبحت ثقافة دارجة في اوساطنا، سوقها بعض السفهاء، فأصبحت العقوبة المفضلة التي يطلقها البعض في الصحافة والدواوين تجاه المواطنين ممن يختلفون معه في التوجه السياسي ويختلفون معه كذلك في الاصول العرقية، اتهاما منهم بأنهم خانوا البلاد، هكذا بعيدا عن الشرعية الدستورية والقانونية، وقد تم الحديث كثيرا عن ذلك وعد من اللغو والسفاهة والمفتت للوحدة الوطنية.
ورغم ان عقوبة الابعاد تجاه الوافدين قد نص عليها القانون بعد تمضية بعض العقوبات إلا انه تم استبدال الغرامة والسجن المؤقت تجاه الوافد المخالف للإشارة الحمراء بـ «التسفير» طبعا نتفق جميعا على جسامة هذه الجريمة التي قد تودي بالأفراد والعوائل الأبرياء، لكن لماذا نتجه الى اسهل المعالجات السطحية ونترك تغليظ عقوبة الغرامة والسجن الى الاشد كلما امكن ذلك، خاصة عندما يغرم الوافد بنصف راتبه الشهري، وهي عقوبات موجعة جدا ورادعة، اما التسفير فهي عقوبة جماعية تجاه عائلته بارتباطاته المعيشية والمدارس.. وتجاه جهة وظيفته المهنية وهي كلها التزامات وقيود معقدة قد يكون الاعدام ارحم فيها من التسفير.
واذا لم تكن الغرامة ولا السجن رادعا في هذه الحالة، فماذا يمكن ان يفعل بالمواطن عندما يخالف الاشارة الحمراء (وهم الاكثرية) نحن هنا لا ندافع عن الوافدين المخالفين للقوانين ولسنا اصحاب علاقة بأي متضرر من المسفرين، ولكن نرى من الانسانية والعدالة ان يكون هناك تناسب منطقي بين الجريمة والعقوبة الرادعة.