كنت عائدا من لندن، وجلس بجانبي شخص مظهره كان يدل على انه فلسطيني او لبناني او سوري او احد الأشخاص من الشام، وكان في غاية الأدب والأخلاق، إلا انني فوجئت عندما بدأ الحديث معي يتحدث بلهجة كويتية بطلاقة، وسألته عن سر هذا الأمر، فقال انه من مواليد 1950 ولد في الكويت وان أباه جاء الى الكويت عام 1948 واشتغل في شركة نفط الكويت koc وكان مهندسا في البترول.
وقد استعرضنا معا كيف كان الحال في ذلك الوقت، كم كانت الأحمدي مدينة بعيدة عن الكويت، وكان الطريق الوحيد للوصول إليها هو طريق المقوع، وكان طريقا بدائيا بالنسبة لطرقنا الحديثة بحارة واحدة وكانت الحوادث عليها كثيرة لأنها كانت الطريق الطويل الوحيد المسفلت، وعشنا مع بعض ذكريات البر في ذلك الوقت وكيف كانت منطقة وارة والبرقان القريبة من الأحمدي واحة جميلة، كنا عادة نذهب اليها للتخييم في البر واصطياد الأرانب، وهناك بعض الثعالب التي كانت تجول بحرية دون خوف لأن السيارات لن تدوسها والصحراء كانت متروكة لها دون منافسة من الإنسان بسيارة الفورويل التي تصل الى اي بقعة في الصحراء تدمر كل بيئة جميلة بإزالتها للغطاء العشبي الذي كان يضفي على المنطقة الجمال الأخاذ.
جلست أتحاور معه عن حياته، وعلمت انه منذ ولادته في الأحمدي عاش فيها حياة جميلة، لأن كبار الموظفين كانت لديهم مميزات كثيرة ويعيشون عيشة رفاه وراحة، وأرسله والده في سن العاشرة الى بيروت في مدرسة داخلية، لأنه لم تكن هناك مدارس ثانوية في الأحمدي والسفر بين الأحمدي والكويت كانت فيه معاناة كبيرة، وتعلم هو شخصيا حيث حصل على شهادة تخصص أيضا في مجال البترول، وعاد يعمل مع والده في الشركة ومازال يعمل، وكان عائدا من إجازته السنوية في لندن.
أمثال هؤلاء بطبيعة الحال كثيرون وهم رجال ضحوا بالكثير من أجل الكويت وتنمية ثروتها الطبيعية حتى تمتعنا نحن بعائد هذه الثروة النفطية رغم ان اسعار النفط في تلك الفترة كانت رخيصة جدا، ولم تتغير هذه الأسعار حتى السبعينيات، والحمد لله أسعاره أصبحت ثابتة الآن، ومرتفعة توفر لنا دخلا كبيرا نأمل من الله سبحانه وتعالى ان تستمر وألا يضيع هذا العائد الكبير في إعطاء علاوات وكوادر جديدة حتى التفكير في شراء الديون الاستهلاكية، وإخواننا النواب يدغدغون مشاعر الناس بأنهم سيطالبون بذلك ويهمل هؤلاء النواب المستقبل أمام ثروة غير متجددة وزائلة، وكل ما نصرفه الآن سيكون على حساب أبنائنا وأحفادنا في المستقبل القريب، لأن هؤلاء النواب أغلبهم لا يعرف وضع الكويت، وكل ما يهمهم هو ان ينهبوا الثروة ويوزعونها على ناخبيهم، أما الأجيال المقبلة والغد فهو أمر لا يهمهم.
إذا كان هؤلاء هم نواب الشعب ليس لديهم تفكير مستقبلي فكيف نتوقع من الشعب الذي انتخب هؤلاء الناس الذين أتمنى أن يكونوا قادرين على تحمل مسؤولية تنفيذ خطة التنمية، لأن عملية التنمية صعبة جدا وأسلوب التخطيط يحدد مسار المستقبل، ويجب ان نعتمد على الرجال والنساء أصحاب الخبرة والكفاءة.
وهذا الأمر يجعلني أطالب الشيخ احمد الفهد بألا يكتفي بطرح مشروعات تنموية، بل عليه ان يجند اعدادا كبيرة من اخواننا العرب الذين أفنوا أعمارهم ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عن الكويت، وعاشوا في الكويت بحلوها ومرها وهم الذين يتحملون عبء التنمية ويحققون أهدافها، وعلينا ان نجند أمثال هؤلاء الذين سيتولون العملية كما تحملوا بناء الكويت على مدى السنين الماضية، بدلا من إحضار أعداد كبيرة من الأجانب لتنفيذ الخطة التنموية في حين ان هؤلاء هم الذين سيكونون القادرين على تحمل مسؤولية التنفيذ بدلا من الأفواج الجديدة، فأرجو التفكير جديا في اختيار الكفاءات إذا أردنا التنمية.
فأقول للأخ الشيخ أحمد الفهد: لا تفرط في هؤلاء الخبراء ومن قاموا ببناء الكويت، واحرص على تجنيسهم حتى يكونوا سندا في تنفيذ طموحاتهم التنموية وستبقى الكويت إن شاء الله محطة للأكفاء وملتقى للعقول والكفاءات، لتسير التنمية بخطتها المرسومة دون عوائق، لأن القوى العاملة المقتدرة هي القلب النابض لعملية البناء والتنمية، وكان الله في عونك يا أخ أحمد، فالقضية كبيرة ومعقدة وليتك تستعين بالقدرات المتوافرة في الكويت حتى تحقق طموحاتك وطموحات الكويت، وأنت الابن البار الحريص على تغيير مسار المستقبل، وأنا على يقين بأنك قادر على ذلك.
وعسى الله ان يوفقك لما فيه الخير لنا جميعا.