لو نظرنا بهذه النظرة، لاتضحت لنا تفاصيل مؤامرة الإنجليز ضد فلسطين والعرب، حيث إن آرثر بلفور وزير خارجية المملكة المتحدة الذي يمثل الوجود والاستعمار الانجليزي في المنطقة أدرك مدى أهمية هذا الوعد لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، في الوقت الذي كان هناك غياب كامل للأمة العربية في كل المفاوضات التي دارت أيام التقسيم، بالإضافة إلى عدم جاهزية الفلسطينيين ليقبلوا مبدأ استيطان اليهود في فلسطين. ودارت الكثير من المناقشات في تلك الاجتماعات بين من يمثل اليهود ويمثل الفلسطينيين.
فاليهود كان يمثلهم الإنجليز من خلال الانتداب البريطاني ومن يؤيدهم وعلى رأسهم أميركا رغم وعد روزفلت الرئيس الأميركي الأسبق للملك عبدالعزيز آل سعود بعدم قبولهم بالوعد اليهودي في حين أن العرب كانوا منقسمين على أنفسهم لدرجة أن أحد وزراء الاتحاد السوفييتي الذي شارك في الوفد السوفييتي قال لي بأن العرب والفلسطينيين كانوا يهربون منهم رافضين حتى مقابلتهم على الرغم من أنهم كانوا يرغبون في شرح موقفهم بالنسبة للتقسيم ووعد بلفور وبالتالي لم يصوتوا ضد التقسيم.
وبعد ذلك اضطروا للوقوف مع الرأي الغربي المتمثل في أميركا ومن يؤيده. هذا الأمر دعا السوفييت لأن يكونوا أول المعترفين بدولة إسرائيل عندما أعلن عن إنشائها بسبب عدد اليهود الكبير في روسيا.
هذا هو الفصل الأول لتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وبين لنا الأبطال الذين كانوا الأفضل وهم يديرون ألاعيب هذا الوعد. فنجد في الفصل الأخير أن الأبطال يقومون بنفس الأدوار الرئيسية برئاسة أميركا لتحقيق ما سماه ترامب «الرئيس الأميركي الحالي» بصفقة القرن، فهو من أكبر المؤيدين لإنشاء ووجود دولة إسرائيل، لأن تصرفاته كلها مؤيدة لليهود أكثر من اليهود أنفسهم فلا تتوقعوا منه الوقوف مع الفلسطينيين في المحافظة على حقوقهم في وطنهم.
وقد بدأ بتنفيذ المؤامرة فعليا بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وإيقاف جميع المساعدات المالية المختلفة إلى الفلسطينيين والباقي سيكون في القريب العاجل.
وكل ما نرجوه ألا ينضم العرب إلى الجانب الأميركي في تنفيذه لوعد بلفور في فصله الأخير بعد التسريبات عن المناطق البديلة لإقامة الدولة الفلسطينية ومحو اسم فلسطين من الخارطة.
هكذا يتم إخراج هذه التمثيلية المأساوية عن الفلسطينيين خاصة والعرب بصورة عامة. فاحذروا من المستقبل لأن الهدف الأساسي من المؤتمر هو إنشاء دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات كما هو وارد في تصور اليهود لوطنهم.
فاحذروا كل الحذر من المواقف الغربية وبعض الدول المؤيدة لهم من الادعاء الأميركي بأن ما يهدد منطقة الشرق الأوسط والعرب هو إيران الإرهابية.
ان كلمة الإرهاب هي صناعة أميركية يرددونها في السنوات الأخيرة، في حين أن إيران ليست ندا لأميركا ولن تستطيع أن تقف ضد أي هجوم أميركي عليها مع ما لديها من أدوات دمار وتكنولوجيا متطورة تستطيع تدمير أي منطقة في العالم.
أقول هذا وأنا على يقين بأن إيران يجب أن تتدبر أمرها بالوسائل السلمية مع الدول المجاورة لأن القضية قد خرجت الآن من يد العرب والإيرانيين وأصبحت في يد إسرائيل وأميركا في أي مستقبل يرسمونه لنا. لذا فإننا نحذر كلا من إيران والدول العربية والدول الصديقة بأن اللعبة أكبر منا جميعا.
وكان الله في عوننا ونحن في هذا الزمن الذي تسيطر فيه دولة واحدة على العالم جميعا.