عبدالرحمن العوضي
ان ما حدث لغزة الصامدة من حصار لئيم قامت به اسرائيل ما هو الا محاولة لتجويع الناس، وقتل المرضى، وتضييق الخناق على المواطنين الذين يعيشون حياة صعبة قاسية تحت الاحتلال.
ان هذا التصرف من اسرائيل كان حسب ادعائها بسبب اطلاق قذائف القسام من قبل بعض الشباب على اسرائيل الذين قد لا يتعدى عددهم الألف، فكيف تبرر اسرائيل قتل مليون ونصف المليون شخص بسبب هذا التصرف من فئة من الشباب الذين وجدوا في قرارة أنفسهم انه لا طريق مع اسرائيل الا طريق الكفاح المسلح؟ وهذا حق مشروع لأي شعب ينشد التحرر من الاستعمار والاحتلال والظلم بصورة عامة.
لاشك في ان هذا الغدر الاسرائيلي نابع من الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، فتستغل اسرائيل هذا الخلاف لتزيد من الفرقة بين حماس والسلطة على شكل «إسفين» يقطع أوصال الشعب الفلسطيني الذي يعاني من أسوأ الأحوال سواء أكان ذلك في غزة أم في الضفة. وليس من حق إسرائيل ان تتهم سكان غزة جميعا بالإرهاب، وهي من أكبر الإرهابيين في العالم والدليل على ذلك المئات من الشهداء والمئات من البيوت التي تهدم، والأشجار التي تقلع والاعتقالات والسجون التي تحتوي على اكثر من أحد عشر ألفا من المساجين.
هذه الصورة المؤلمة للواقع الفلسطيني يجعل كل فرد عربي مسلم يتفطر قلبه من الألم والنزيف لأن كل ما بنيناه طوال 90 سنة من الاحساس بالوطنية ورفض الاحتلال الاسرائيلي لجزء عزيز من وطننا نراه يتهدم ويتهشم، حتى صارت صورة الكيان الفلسطيني هلامية الشكل تضيع فيه روح النضال والمقاومة مع الاستسلام والخضوع لاسرائيل وأميركا التي هي الحامي لها، وهي التي تساندها من دون اي تحفظ. حتى ان الرئيس بوش حينما بدأ زيارته الأخيرة للمنطقة بدأها باسرائيل وصرح بأن أي اعتداء على و جود اسرائيل كدولة هو اعلان لقيام حرب عالمية، ورغم ذلك عندما زار دول المنطقة والتقى بزعمائها لم يذكروه بأن قضية القضايا في منطقة الشرق الاوسط هي القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين.
وكنت أتمنى لو أن في تصريحات بوش ما يشير الى الحق الفلسطيني وشجب التصرفات العدوانية من قبل اسرائيل على الفلسطينيين في المؤتمرات الصحافية التي يعقدها مع الزعماء العرب.
لقد شاهدنا المأساة، وشاهدنا أطفالا يموتون، والمرضى يعانون، والظلام يخيم على غزة المناضلة، ولم نسمع إلا بعد فوات الوقت بعض التصريحات التي تحاول تبرير هذا الصمت العربي الاسلامي. حتى اننا لم نستطع كمجموعة عربية ان نقنع مجلس الأمن بإصدار بيان شجب رغم ان رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر هو المندوب الليبي.
نعم هكذا أصبحنا مطايا لأميركا واتباعها في المنطقة ونسينا حقوقنا. فلولا دعم أميركا لما تمكنت اسرائيل من الاستمرارية بيننا. وبالتالي فإنها ستحقق وجود دولة يهودية خاصة باليهود فقط لاسيما وأن الحزب الحاكم في أميركا يؤمن بالمسيحية الصهيونية.
وما يؤكد المصير المحتوم هو هذا الخنوع والخضوع الذي رأيناه على الساحة المحلية والاقليمية والدولية، حتى ان المظاهرات التي رأيناها كانت صورية لا تعكس الصورة الحقيقية لهذه الدولة التي تؤمن بإدارة المسلمين جميعا وسيطرة اليهودية والمسيحية الصهيونية على العالم كله، انها عنصرية فظيعة، وحقد دفين لهذه الفئة المحتلة لجزء عزيز من وطننا. فلا تصدقوا وعود العالم، ولا تحاولوا التفاهم مع هؤلاء لأنهم يرفضون وجودنا ويعتقدون أنهم أحق منا في هذه البقعة المقدسة من العالم، فدرس حصار غزة يجب أن يحيي فينا روح الرفض للاحتلال والعودة الى مقاطعة اسرائيل ومحاصرتها والتهديد على الأقل بمنع تزويد الشركات التي تزود اسرائيل بالبترول حتى تشعر بأهمية المواقف الشعبية العربية لأننا لا نستطيع ان نحاصرها عسكريا بسبب وجود أميركا.
فتحية لأهل غزة، ودعاؤنا لهم أن يحكموا ضمائرهم، وينبذوا خلافاتهم، ويوحدوا صفوفهم لأن من دون ذلك لن يروا مستقبلا لائقا بالإنسان الفلسطيني ليعيش حرا أبيا مستقرا في وطنه.