عبدالرحمن العوضي
جلست حائرا ولساعات طويلة احاول كتابة بعض الكلمات مع الحزن العميق الذي مزق قلبي لفراق أخ عظيم ونبيل وشهم هو سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، فكانت هذه الكلمات التي هي عبارة عن خواطر متداخلة شعرت بها وأنا احاول ان اعبر عما جاش في صدري في هذه اللحظات الحزينة.
فكيف لا، وانا لا اعرف عن اي جانب من حياة هذا الرجل العظيم اكتب، هل اكتب عنه كرجل دولة قاد وطنه في أحلك الظروف، وكان مقداما، ودائما في المقدمة ينشر التضحية والفداء من اجل عزة وطنه؟ أم اكتب عن ذلك الرجل العظيم الذي كانت له شخصية عظيمة تأسرك بسبب بساطتها وطيبتها؟ فكل من عرفه أحبه تلقائيا دون تردد. أم اكتب عن ذلك الصديق الصدوق الذي كان دائما الى جانب اصدقائه عند الحاجة مستعدا ان يضحي بكل شيء من اجل اسعادهم؟ أم اكتب عن السياسي المحنك الذي لا تشعر به وهو يتخطى جميع العدائية ويدخل في القلوب ويأسر من يجلس أمامه ويضطر دائما الى موافقته فيما يطرحه؟ أم اكتب عنه في مجالات كثيرة ومتعددة اخرى؟ لا اعتقد ان هذه المقالة ستتسع لها، ولكن فكرت ان اختار حادثة بسيطة عشتها معه من بين مئات الحالات كيف انه كان يحب الخير ولم يكن يستطيع ان يرد طلب العون والمساعدة لأي شخص.
استذكر حادثة بسيطة، وهي عندما كنا مرة في لندن في رحلة علاجية لاجراء عملية كبيرة له، زارنا مساء ليلة العملية شخص كبير في السن مضطر لان يتجاوز جميع الموانع كي يصل الى سمو الشيخ سعد، وكل يحاول اقناعه بأن سموه في حالة مرضية ولا يمكنه الاستماع الى شكواه الآن، خاصة وهو يتألم كثيرا من حالته الصحية، ولكن بينما كنا نحاول اقناع هذا الرجل بالعودة في اليوم التالي بعد ان نكون قد اجرينا العملية لسموه، سمع سموه مناشدات الرجل وأمر بادخاله رغم كل ما كان يعانيه من الألم، وطلب مني ان استمع الى حالته واطلع على تقاريره وابلغه عن حاجته، كان هذا شيئا معتادا مع جميع من يراجعه.
واجرينا العملية لسموه في تلك الليلة وكنت معه في صباح اليوم الثاني في غرفة العناية المركزة منتظرا ان يفيق من التخدير ويطمئنني عن صحته، واطمئن انا كذلك عن وضعه الصحي، وبعد ساعات من العملية بدأ يفتح عينيه ويتفوه ببعض الكلمات منها يا دكتور ساعدوا المريض، يا دكتور ساعدوا المريض، فتعجبت كيف انه في هذا الوقت الصعب لم ينس هذه العاطفة الجياشة عندما يقابله اي شخص محتاج، ووعدته خيرا وحاولت ان اقنعه ان الاهم الآن ان نطمئن على صحته، فكان رده «انا زين ولا تنسوا المحتاج».
نعم هكذا كان يعيش ذلك الرجل العظيم، رحمه الله، مع كل ألم أكان لفرد أو لأمة، ومواقفه معروفة في كثير من المناسبات، فكان يعطي من صحته ويصرف من حسابه على العشرات ممن لا توافق وزارة الصحة على علاجه في الخارج، وكان كل كويتي بالنسبة له قضية، وكل مشكلة للكويتي مشكلته، وكانت مشاعره كلها من اجل سعادة ورفاهية الغير، ومثل هذه التصرفات قد اثرت عليه كثيرا، وكانت على حساب صحته التي عانت الكثير في الاشهر الاخيرة من حياته.
نعم لقد رأيت وعشت مع الكثيرين من رجالات الدول، ولكن مثل الحبيب الشيخ سعد لم ولن اعرف شخصا آخر فيما بقي من عمري، وهذا الانسان الظاهرة الاسطورة قليلا ما تجود بمثلهم الحياة فهم يتربعون في قلوب الناس ويعيشون في جوارحهم، ومثلهم قليل ما يجود به الزمان.
فسلام عليك يا شيخ سعد، وسلوانا انك ستظل حيا كبيرا في قلوبنا ما دمنا احياء، وستظل صورتك امامنا دائما في جميع مناحي الحياة، وفي كل لحظة نتذكر فيها علاقتنا معك بل ويجب ان نصور امثال شخصيتك للناس لحاجة الاجيال المقبلة حتى يعلموا انه كان في الكويت رجال نادرون قليلا ما تجود بمثلهم الحياة، فأنت لم تكن فقط فارسا للكويتيين، ولكن جميع من عاش على ارض الكويت، وجميع الدول العربية التي حظيت بعطفك وكرمك، وجميع القضايا المصيرية التي ساهمت في ايجاد الحلول لها ستكون كلها نبراسا يذكره التاريخ على مدى العصور.
وأرجو ان تتمكن الكويت من الوفاء لعطائك والذي سيبقى ذكرى في قلب كل كويتي وستخصص في تاريخ الكويت صفحة عظيمة عن عطائك وتاريخك وحياتك الكريمة.
فإلى جنة الخلد يا حبيب القلوب، وأسكنك الله فسيح جناته وألهم ذويك الصبر والسلوان وخاصة ابنك الشيخ فهد، واسرتك الصغيرة، واسرة آل صباح الكبيرة وعلى رأسهم صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد حفظه الله.