عبدالرحمن العوضي
لقد شاهدنا المهزلة على شاشات التلفزيون وكل من رأى ذلك الاستجواب لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد من قبل العضو المحترم مسلم البراك الذي يمكن ان نصفه بأنه قد أصبح حامل لواء المعارضة والتأزيم بالحق وبالباطل.
فهذا الاستجواب اصلا كان مخالفا للدستور وكان مخالفا لمناشدة صاحب السمو الأمير لجميع النواب، سواء كان ذلك من خلال ما لمسناه من إشارات في خطاب سموه التاريخي لحل مجلس الأمة السابق، وما رأيناه واستمعنا إليه في خطاب سموه يوم افتتاح الدورة الحالية لمجلس الأمة بعد الانتخابات، وما كان يردده دائما بكل طيبة خاطر: اتعظوا يا ناس وابتعدوا عن الشخصانية وصونوا الدستور واستعملوا الحقوق بالحكمة والعدل.
وحتى الناخبون ـ كما أكدت د.سلوى الجسار في مداخلتها خلال جلسة الاستجواب ـ طالبوا مرشحيهم أثناء الحملات الانتخابية بضرورة الابتعاد عن التأزيم والشخصانية وان يتفرغوا، ولو لفترة، لما ينفع الناس من خطط وبرامج تنموية وإصدار قوانين تصلح من حال الناس وتعزز الاقتصاد وتحرك عجلة التنمية في الاتجاه الصحيح حتى نعوض ما فاتنا بسبب المنازعات بين المجلس والحكومة في السنوات الاخيرة، وكأن التأزيم والهجوم على الحكومة سيحقق لنا اي شيء غير البغضاء والخلاف الدائم الذي يعرقل مسيرة العمل حتى لو كان ذلك لمصلحة الأمة.
نعرف الأخ مسلم البراك ومؤازره الثاني د.ضيف الله أبورمية ان ديدنهما هو التأزيم والمشاكسة من دون اي مبرر، ولقد صدمت فعلا عندما استمعت الى مداخلة الأخ د.ابورمية من انه لا يعرف حتى مواد اللائحة الداخلية المنظمة للاستجواب، وحاول الخروج عن محاور الاستجواب وإثارة قضايا خارجة عن هذه المحاور، ولولا حزم رئيس مجلس الأمة لسمعنا البلاوي، لأن الأخ د.ابورمية لايزال متأثرا من اعتقاله اثناء فترة الانتخابات لمخالفته القوانين، ولم يكن مستغربا منه ان يسير في نهج الأخ مسلم البراك، وكلامه كله لم يطرح شيئا جديدا لأنه يعلم ان هذا الاستجواب كان مخالفا للدستور وخاليا مما يفيد الأمة.
ولكن ما حز في نفسي فعلا ان يقف الأخ احمد السعدون، ذلك الرجل المحنك والذي حفظ الدستور عن ظهر قلب بما فيه اللائحة الداخلية وكان يعلم علم اليقين ان المحور الأول غير دستوري لأنه لا يجوز محاسبة وزير عن أعمال وزارة سابقة حتى لو كان هو نفس الوزير وفقا لحكم المحكمة الدستورية، ولكن تألمت كثيرا لأنني كنت أعتبر الأخ أحمد حكيما وعادلا في تصرفاته، ومجرد وقوفه لتأييد المحور الأول الذي كان قد حصل في الوزارة السابقة جعلني أغير رأيي كثيرا وفقدت الأمل في اننا حقا نؤمن بالدستور الكويتي وأننا حقا ندافع عن مواده التي أعطت للشعب الكويتي حرية مثالية قلما نجدها في اي دستور آخر حتى في الدول المتقدمة دستوريا.
مثل هذا التصرف والذي كان الواضح منه ان كل ذنب الأخ وزير الداخلية انه طبق القوانين وخاصة قانون منع الانتخابات الفرعية، وهذا هو الدافع الاساسي للمخالفين للقانون ولتعهدهم باستجواب الوزير لأنه طبق القوانين اثناء اجتماعات الانتخابات الفرعية، ولأنه كان في فترة الانتخابات يحمل حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة السابقة، فالمطلوب كان هو رأس الوزير، ولكنه صمد وكان شامخا غير متأثر بهذه الشخصانية وحمى نفسه بإحالة موضوع محور الاستجواب الأول للنيابة العامة لأنها الجهة الوحيدة التي تنصف الجميع، ولقد استغربت ايضا ان الأخ احمد السعدون يريد ان يغير مواد قانونية تحرم النيابة العامة من استقلالها، وحرية قيامها باتخاذ الإجراءات اللازمة عند اي مخالفة قانونية.
يكفينا يا ناس هذا النوع من المهازل والاستهتار بقواعد اللعبة البرلمانية الصحيحة واعلموا ان مثل هذه التصرفات ستقلل من هيبة مجلس الأمة وأعضائه لأن مخالفة الدستور واللائحة الداخلية التي تنظم الممارسات البرلمانية في مجلس الأمة هي اكبر خطأ ضد مجلس الأمة والدستور يقترفه عضو المجلس، وهذا امر يجب ألا نتساهل فيه لأنه من دون احترامنا للدستور لا أحد يحترم مجلس الأمة خاصة ان النائب هو انتاج هذا الدستور الكويتي العتيد، وكان الله في عون الكويت من هؤلاء المشاغبين الذين يدمرون ركنا أساسيا من اركان الحياة البرلمانية ويتلاعبون في قضايا هي اكبر منهم بكثير ويخيبون آمال الناس في الحياة البرلمانية.