يمكنني ان أصف المغفور له بإذن الله الأخ جاسم.. بصديقي العزيز، والذي كانت علاقتي به على مدى 50 عاما، نلتقي مرة في الأسبوع تقريبا وفي كل مرة نناقش الكثير من الأمور والقضايا التي تهم الوطن.. وكان رحمه الله مطلعا على جميع ما أثيره رغم اختلاف المواضيع وكان دائما يشعرني بأن له دورا في إنجاز أي موضوع من الموضوعات التي أثيرها معه.
وكان حقا يعتبر رغم هذا كله رجل الساعة، تشغله هموم الوطن ويحاول دائما ان يلعب دورا مهما في حلها، وكان يستطيع بأسلوبه المتميز وهدوئه وابتسامته العريضة ان يؤكد لي ثانية أنه قد ساهم في حل كل القضايا رغم صعوبتها. وكان على الدوام، رحمه الله، على اتصال مع صاحب السمو الأمير، وكان متفقا مع سموه دائما ومكملا لجميع جوانب القضايا الحساسة لإيجاد ما يعود بالفائدة على الوطن.
كان إنسانا بسيطا يحب العمل ويرهق نفسه، وكان يحمل هموم الوطن على ظهره حتى انني كنت أختلف معه كثيرا في اهتمامه بصحته لأنه كان يهملها ما دام ذلك يعطل عطاءه، وكان يضحي بصحته وعافيته من أجل إيجاد الحلول المناسبة لهذه القضايا.
وبجانب ذلك، فإنه كان دائما يتناقش معي واختلف معه كثيرا لأنني في بعض الأمور كنت جادا معه بعكس هدوئه وابتسامته، وفي أوقات كنت أوافقه لأنه كان يملك أسلوب الإقناع بالطرق المختلفة حتى يوصلك معه الى النتائج نفسها.
كان فعلا رجلا فذّا سبق عصره، ورسمت له الأقدار ان يكون في أتون معارك الوطن، ورغم ذلك كان يتمكن من إيجاد الطريق السليم للخروج من هذه المشاكل. وقبل ان يقرر إعادة ترشيح نفسه إلى المجلس نصحته كثيرا بعدم القيام بذلك لأنني كنت أشعر بأن ما يسمى بالمعارضة لا يرغبون في إيجاد حلول لقضايا الوطن، بل كانوا يؤثرون التهجم على رجالات الدولة ومن كانوا يعملون من أجل إسعاد الناس ورفاهية الدولة. ورغم انه في كثير من الأوقات يجد ان الدخول في المعارك مع أمثال هؤلاء قد يؤدي الى نتائج مؤذية له ولصحته فإنه كان لا يأبى بذلك لأن الوطن وقضاياه فوق صحة الفرد وسعادته.
أمثال هؤلاء الرجال قليلون ويمرون على الأوطان كطيف من المحبة والعطاء والإخلاص فوق تصور الناس العاديين ويجعله مجالا للحسد وعدم التعاون معه في إيجاد حلول لقضايا الوطن.
لقد صارع كثيرا من أجل هذا الوطن، وكان يدرأ مخاطرها بتضحيته براحته وسعادته، ومع ذلك كان سعيدا جدا، ويبدو لمن يجالسه أنه في قمة السعادة، حيث كان يعتبر العطاء والتضحية هما الطريق الصحيح لسعادة الإنسان.
هذا ما أستذكره في هذه المناسبة عن المرحوم جاسم.. الرجل الظاهرة، وهؤلاء الرجال قليلون، وكما ذكرت يمرون كأطياف في حياة الناس دون أن نشعر بهم ودون أن نحس بما يقدمونه من تضحية.
هكذا عرفته قبل أن يدخل في معارك السياسة حتى عندما كنا نجتمع كطلاب أثناء الدراسة في بريطانيا كان جاسم يعمل من أجل مبادئ وليس من أجل منافع لأجله حتى عندما كنا نلعب الرياضة كان لا يحب الاختلاف مع الفريق الآخر، وكان ينحو دائما للحلول التي ترضي الجميع. وهذا جعله محبوبا عند أغلب الطلبة. وكان يتشاغب مع الكثيرين ولكن دون إيذاء، وكان صعب المراس ولا يستسلم بسهولة، ولكن عندما يفوز وتكون له الكلمة العليا في أي مناسبة لا يمانع من التنازل عن بعض حقوقه إذا كان ذلك من أجل المصلحة العامة.
ورغم كل الطيبة والأسلوب السلس الذي يتبعه مع الغير فإنني كنت أراه في كثير من الأوقات لا يتنازل عن حقه مهما كانت الضغوط، ولكن بعد أن يشعر بأنه حقق الفوز تقريبا فإنه لا يمانع من أن يضحي بحقه لصالح غيره.
هذا النوع من الإيثار والعطاء اللامحدود والمحبة اللامحدودة والتواضع الكبير يمثل صفات الرجال العظماء. ستبقى أخي جاسم في قلوب الجميع بهذه الصورة الجميلة حتى إن من اختلفوا معه قد اقتنعوا بأنه لم يكن في يوم من الأيام يضمر الشر لأحد، وكان مسالما حليما يلقي محبته في قلوب كل من يجالسه. ولذلك كانت تنطبق عليه الحكمة المعروفة بأن «سيد القوم خادمهم». هكذا سيبقى المرحوم الأخ العزيز جاسم الخرافي في قلوبنا جميعا إنسانا غير عادي حرا في حياة الكويت، وقليل من أمثاله سيمرون على الكويتيين، وهذا يجعله مستحقا للدعاء والطلب من الله سبحانه وتعالى الرحمة والغفران وأن يعفو ربه عنه ويدخله فسيح جناته.
فادعوا الله يا أهل الكويت أن يبقى الأخ جاسم من الأولياء الصالحين وأن نستذكره دائما عندما نحتاج الى رجل المهمات الصعبة التي اعتدنا أن نراه يقوم بها ويصل بالكويت الى بر الأمان، وسنفقده كثيرا، ولكن الله سبحانه وتعالى سيغفر له كثيرا بإذنه تعالى لما يتمتع به من هذه الصفات العظيمة التي هي من صفات الأولياء الصالحين. فوداعا يا أخي جاسم.. الى جنة الخلد.. ونسأل الله لجميع أهله الصبر والسلوان، وإبقاء ذكراه حيا في جميع الأحوال.