كانت هذه السياسة يتبعها وزير خارجية أميركا المشهور والمشهور جدا: جون فوستر دالاس، وكان «حاطط دوبه» من المرحوم جمال عبدالناصر. وكان بصورة دائمة يصرح في كل عملية مجابهة مع الخصم، على ان هذه السياسة هي التي يتبعها دائماً حتى في حياته العادية، ومع ذلك انه في جميع أموره في المجابهة مع الخصم كان يرفع من حدة الحوار والتحرك السياسي والعسكري لدرجة انك كنت تشعر بأن الحرب ستقوم في أي لحظة مع خصمه. ولكن فجأة تتغير الأمور ويعود إلى صوابه ويتوقف عن كل شيء في لحظة، وكان الخصم يتوقع منه أصعب المواجهات.
هذه السياسة نلاحظها هذه الايام بين الحكومة ومجلس الامة فبعد كل اتفاق شفهي بينهما نجد فجأة يخرج احد النواب بتصريح ناري نتوقع منه الويل والثبور، فتارة يحولها الى تهديد بالاستجواب وتارة اخرى نجده يتصرف بكل عقلانية ودون أي اثارة لهذه الممارسة اليومية مع الأسف الشديد. فتارة نجده يهدد سمو رئيس مجلس الوزراء باستجوابات حادة وساخنة من دون أي تبرير، فقط انه يهدد بمحاسبة رئيس الوزراء بصورة أو بأخرى بغض النظر عن الموضوع، على الرغم من أن سمو رئيس الوزراء ليس مسؤولا بصفة مباشرة عن تصرفات معينة أو وزير معين او غير ذلك من الامور التي يمكن اعتبارها فقط للتهديد أو أخذت تفوت الفرصة على الجهتين الحكومة والمجلس وتفوت المناقشة الجدية في المواضيع المطروحة.
وآخر هذه المواضيع بطبيعة الحال الذي تدل على الصفيح الساخن هو موضوع سحب الجناسي من بعض من أدينوا بالتطاول على رموز الدولة والتهجم دون سبب على وزير معين نتوقع منهم الوصول الى مخرج يرضي الجميع. ولاحظنا انه بعد ان اتفق بعض الأعضاء مع سمو رئيس الوزراء بشرط إعادة الجناسي حتى يتراجعوا عن الاستجوابات وكانوا على يقين بأن رئيس مجلس الوزراء سيلبي طلبهم على الفور، وبالتالي تموت القضية وتدخل في دهاليز المفاوضات في طرق مظلمة لا تحقق ولا تصل إلى أي نتيجة لأن الجميع يعرف أن «لكل قاعدة قانون» و«لكل تصرف يقوم به مسؤول حكومي قواعد معروفة لا يمكن الخروج عنها».
ولكن مع الأسف الشديد تستمر التصريحات والتهديدات بعدم سحب هذه الاستجوابات كما حدث بالفعل وكان من المعروف أن مسؤولية سمو رئيس الوزراء مسؤولية عامة أساسها التنسيق بين الوزراء وعدم تحمل المسؤولية نيابة عنهم وهذا معروف دستوريا ومعروف أيضا على ضوء التجارب الكبيرة التي مررنا بها في السنوات الماضية.
ولكن الظاهر ان الهدف من كل ذلك هو الضحك على الذقون وخداع الناخب وخداع الرأي العام والصحافة وغيرها من وسائل الإعلام المشروعة وغير المشروعة.
هكذا دائما نلاحظ أن التعاون بين الحكومة والمجلس هو تعاون سياسي لا جدية فيه وهدفه الأساسي كما نعلم هو ما نسميه «المبهرة». لقد عشت سنوات طويلة كوزير مسؤول في وزارات مختلفة ولم أتذكر انه في يوم من الأيام كنا نقوم بمثل هذه الألاعيب الشيطانية. فيا إخوان يا ممثلي الأمة تذكروا مسؤولياتكم ودوركم الرقابي والتشريعي دون الحاجة إلى عمل استجوابات وكلام فارغ يعكس الفراغ الذي تعيشون فيه.
أيها الإخوان الأعزاء لا يمكن ان تسير البلد بهذا الأسلوب خاصة أننا نعيش في منطقة تسير على براكين قد يؤدي إلى سوء تصرف بأزمات كارثية لن تعود على البلاد الا بالدمار والويل والثبور.
حرام عليكم، خاصة ونحن في فترة ندعي باننا سنناقش خطط التنمية وتنويع مصادر الدخل، ولكن أغلبها مع الأسف الشديد ستضيع كردود أفعال تعيشها امتنا ونحن في حاجة الى فترة من العمل الجاد لان المستقبل مع الأسف الشديد محفوف بالمخاطر.
الناخبون لدينا في حاجة إلى تدبر وتنويع مصادر الدخل، ولا يعني هذا ان اللعب بالنار سينير لنا الطريق بل سيدمر كل طموحاتنا وآمال أجيال تنتظر منا الكثير، وصاحب السمو- حفظه الله- قد بُحَّ صوته وهو يذكرنا دائما ويحاول أن يعمل المستحيل ليرسو بنا على ساحل الأمان والاستقرار بدلا من هذا التوتر المستمر في أوضاعنا الكويتية.
رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وعليكم بالجدية بدلا من هذا الصراخ، والعويل والتهديد الذي يضطرنا دائما بأن نصل إلى حافة الحرب خوفا من ان نتورط مع هذه السياسة الفاشلة.