كنت في عزاء، وإذ بي أجد على الطاولة بعض الادعية كالعادة، ولكن ما لفت نظري وجود علبة دواء بيضاء تحمل اسم دواء مسكن آلام معروف، ولكن غيروا فقط في أحد حروف الاسم، فيما بقي مظهر العلبة وصورة الحبوب واضحين بما يخدع الانسان ويحسب أنه دواء. وقد اخذت احدى العلب للاطلاع عليها، فإذا مكتوب عليها بحروف كبيرة علاج الذنوب دواء فعال لعلاج جميع الذنوب والهموم والآلام والاحزان. وغطاء العلبة منشور عليه بعض الاحاديث والقصص عن فائدة «الرقية» في علاج الامراض، وبالمصادفة ايضا قرأت تحقيقا في احدى الصحف عمن يكتبون الرقية في علاج الامراض المختلفة، وهذا النوع من الخداع والكذب على الناس منتشر بشكل كبير، ويبين التحقيق انهم بدأوا يستعملون السراديب في المناطق الحساسة التي يتردد عليها الجمهور ويدفعون أجورا عالية لها، حيث يتهافت عليها الناس المساكين الذين يعانون من الاوهام والذين يبحثون عن أي وسيلة لتخفيف آلامهم وأوجاعهم وأوهامهم.
هؤلاء الدجالون منتشرون في جميع أنحاء البلاد، بل إن هناك يافطات كبيرة تدل على أماكنهم تحمل اسم الرقية الشرعية، وعندما كنت وزيرا للصحة حاولت أن أنظم هذا الامر، وأنشأنا مركز الطب الاسلامي الذي يتناول جميع انواع العلاجات التي كان المسلمون يستعملونها في فترة انتشار الاسلام في العالم، واغلبها تتكون إما من أعشاب طبية أو أنواع الكي أو العلاج الطبيعي، ولكن اخطر ما وجدناه هو العلاج بالرقية وهو ما يسمى بالطب النبوي والعلاج بالقرآن، ناهيك عمن يخرجون الجن من اجساد من لبسهم جان حسب ما يدعى هؤلاء الدجالون.
ولقد حاولت تنظيم العملية وتمكنت على الاقل من تنظيم العلاج بالاعشاب وبعض المركبات في الوصفات الطبية الواردة في كتب ابن سينا والرازي وغيرهما من الاطباء بهدف استخلاص اي مواد مضرة قد تكون فيها. وأصبحنا نفحص جميع الاعشاب والمواد التي يمكن استعمالها للعلاج ومازلنا ولله الحمد نفحصها قبل تداولها بين الناس.
أما عن العلاج الروحي أو ما يسمى بالعلاج بالقرآن والعلاج النبوي، فقد عقدنا أكثر من مؤتمر وناقشناه على مستوى وزراء الصحة في دول الخليج ووزراء الصحة العرب ومنظمة الصحة العالمية، وكانت توصياتنا انه ليس بالامكان الحد من هذه الممارسات ولكن يجب تنظيمها وترخيصها، وطالبنا كلا من وزارات الصحة والاوقاف والتجارة والبلديات بوضع قوانين لترخيص هذه المهنة، بحيث يخضع الجميع للرقابة الصارمة حتى لا يقوم الدجالون بخداع الناس. ومازلت أنادي وأكرر النداء لسمو رئيس الوزراء أن يأمر المسؤولين في هذه الوزارات بضرورة الاستعجال بتشكيل لجنة تضع الأسس والقواعد للعلاج الشعبي وأسلوب ممارسته ومتابعة هؤلاء الدجالين حتى نعلم على الاقل ما يقومون به، ولكي يعرف هؤلاء انهم خاضعون لرقابة الحكومة.
أما عن التقليعة الاخيرة التي اتخذت من اسم الدواء المشهور وسيلة لنشر الرقية، فهذا أمر يستحق التحقيق فيه، واتخاذ اللازم بعدم تكراره باستعمال أسماء أدوية اخرى. وقد يكون هناك تواطؤ بين هؤلاء الناس والشركة المنتجة للدواء المسكن، الا أنني أستبعد ذلك، ولكن يجب ان ندرس كل احتمال، وان نعاقب من يحاول استغلال البشر وخداعهم والضحك عليهم.
أكرر تحذيري بأن هؤلاء الناس يلعبون بمصائر البشر، وأي انسان يتعرض لجسم الانسان سواء كان عن طريق الدواء أو الجراحة أو الطب الطبيعي أو الطب النفسي وغير ذلك من العلاجات أو الدعاء أو بأعشاب أو بمواد اخرى يجب ان يوقف عند حده، وذلك وفقا لقانون مزاولة مهنة الطب الذي يمنع مثل هذه الممارسات بدون ترخيص ويعاقب مرتكبها.
هؤلاء الدجالون الذين تجرأوا على نشر أماكن عملهم وايضا خرج الكثير منهم علينا في وسائل الاعلام المختلفة، يجب ان يطبق عليهم العقاب الصارم لمنعهم من الاضرار بالناس دون تساهل، وان نحذر الناس من كل هؤلاء الدجالين لأن المريض يبحث عن كل أمل طلبا للشفاء.
فلا يجوز أن نتركهم كما هم الآن ولا يجوز أن تنتشر مثل هذه الممارسات الخاطئة تحت بصر وسمع وزارات الصحة والاوقاف والتجارة والبلدية.