لقد أصبحت إستراتيجية تنظيم القاعدة واضحة للجميع بعد أن عزز من تواجده وحضوره داخل الأراضي اليمنية. ومن أهم معالم هذه الإستراتيجية البحث عن ملاذ جديد دائما عبر استغلال حالة الفوضى السياسية والأمنية التي تعيشها بعض البلدان، من أجل جر الولايات المتحدة إلى مستنقع آخر وفتح جبهة قتال جديدة معها. فهذا التنظيم يجيد التواجد ضمن المناطق غير المستقرة، ويستطيع «القاعدة» إطلاق عملياته القتالية في بلاد لا تقوى حكوماتها على حفظ الأمن، فقد تواجدت عناصر القاعدة بالأمس في ظروف مشابهة لما يعيشه اليمن اليوم، فبعد أفغانستان والعراق وإقليم وزيرستان في باكستان والصومال، ها هو تنظيم القاعدة يجد في اليمن موطئ قدم جديدا يحاول سحب الولايات المتحدة الأميركية إليه، عله يحقق انتصارا يحلم به منذ أمد بعيد يتمثل في إقامة إماراته الإسلامية. كما أن الصراع القائم حاليا بين الجيش اليمني والحوثيين وإعطاءه بعدا طائفيا، شكلا دافعا قويا لحضور القاعدة، خصوصا بعد انحسار عملياته في العراق، تلك العمليات التي شنتها القاعدة هناك لنفس البعد الطائفي.
هذا التنظيم ليس جديدا على اليمن، فكلنا نتذكر عمليات القاعدة ضد البحرية الأميركية عام 2000 واستهداف السفارة الأميركية في صنعاء عام 2008. ولا ننسى هروب عدد كبير من المشتبه بهم من أحد سجون صنعاء في 2006، والذي شكل كما يرى الكثير من المراقبين نقطة تحول في تواجد القاعدة باليمن واتحاده مع خلايا القاعدة المنسحبة من المملكة العربية السعودية. فما السبب الذي جعل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية تسارع إلى التحذير من تنامي التنظيم في اليمن؟ هناك جملة من الأسباب يطلقها بعض المهتمين، منها ضعف الحكومة اليمنية نتيجة لتأخر التنمية بسبب قلة الموارد ومصادر الدخل وتضخم الاقتصاد. فهذه الظروف زادت من معدلات الفقر، ما شجع الكثير من الشباب الناقم على السلطة المركزية للاتجاه إلى تنظيم القاعدة، وقد شاهدنا كيف كان الفقر عاملا مهما لتجنيد الكثير من الانتحاريين في العراق ما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين وجر العراق إلى نزاع طائفي عرقي، كما أن تفجر النزاعات القبلية هناك بين الحين والآخر، والقتال الدائر بين الحوثيين والحكومة المركزية جعلا من اليمن تربة خصبة لاحتضان خلايا القاعدة، علاوة على طبيعة اليمن الجغرافية ووعورة الجبال والأراضي، والذي أسهم في توفير الملاذ الآمن لخلايا التنظيم. ولا ننسى توافر المناخ العقائدي في اليمن أساسا، وهروب كثير من خلايا القاعدة من السعودية بعد نجاح المملكة في تتبع عناصر التنظيم داخل أراضيها وتضييق الخناق عليهم. ولا ننسى أيضا خسارة القاعدة رهانها على هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وعدم جدوى تواجدها على أراضي الصومال. هذه جملة من الأسباب التي ساقها بعض المتتبعين لتنظيم القاعدة، والتي عللت السؤال المتكرر هذه الأيام عن سبب تواجد تنظيم القاعدة في اليمن.
[email protected]