حين تبلورت فكرة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، نحو تعاون خليجي شامل، ويخرج لنا زعماء الدول الخليجية في مايو 1981 ليوقعوا وبصورة نهائية على النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، والذي استهل بذكر العلاقات الخاصة والسمات المشتركة والإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف الذي يجمع شعوبها ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين، كانت هذه النزعة الإقليمية ضرورية آنذاك لتعزيز المسار التنموي وتحدي التحولات والتطورات العالمية والاقليمية.
لقد جاء مجلس التعاون الخليجي وهذه النزعة الإقليمية لتطوير ركائز السيادة في دول الخليج العربي وليس لتقويضها، وبدأ إطار التعاون الخليجي في المجالات الأدنى واتسع تدريجيا ليشمل ميادين رئيسية لعل أهمها التعاون العسكري الذي انتقل من مرحلة المنهجية والشكلية إلى مرحلة الدفاع المشترك. ويمكن القول، إن عملية التكامل عبر ميدان التعاون العسكري وتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك، وتشكيل قوات درع الجزيرة، وإقرار الإستراتيجية الدفاعية المشتركة لدول الخليج العربية، وغيرها من مجالات العمل العسكري المشترك تنفذ بمقتضاها مبدأ مسؤولية الحماية والدفاع عن كيان ومقومات ومصالح الدول الخليجية.
ربما وبعد عملية تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي، تكاثرت علامات الاستفهام حول مدى ضرورة استمرار قوات درع الجزيرة خاصة أن غالبية دول مجلس التعاون لديها اتفاقيات أمنية عدة مع دول كبرى، لكن الحاجة إلى الاعتماد على قوات دفاعية محلية وعدم الاستعانة بالقوى الخارجية إلا بما يعود بالنفع على الدول الخليجية هي التي جعلت قوات درع الجزيرة مستمرة وحاضرة بغض النظر عن آلية توزيع قواتها وكيفية تمركزها على الأراضي الخليجية.
وفي خضم التحولات العاصفة والحادة التي نعيشها اليوم، ظهر لنا مجلس التعاون الخليجي بصورة جادة وبتوظيف سليم للنزعة الإقليمية خاصة فيما يتعلق بحماية واستقرار شعوب الخليج حين تم إرسال قوات درع الجزيرة لمملكة البحرين على ضوء التوترات الحادثة فيها. إن عملية تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك ـ كما في الحالة البحرينية ـ هي نقلة نوعية في شكل وعمل مجلس التعاون الخليجي حيث تؤكد لنا أن المجلس جاهز وحاضر لأي ظرف يحدث في المنطقة، وأن العمل العسكري الجاد بين دول الخليج عبر المناورات والتدريبات السنوية وتحديث مراكز التدريب العسكري الخليجي قد أتى بثماره.
وقد أعاد قرار دخول قوات درع الجزيرة للبحرين الحيوية لمجلس التعاون الخليجي، وعزز من درجة التماسك والتعاون والتفاهم بين دول الخليج مما يعطي دفعة قوية لمسار العمل المشترك في كل الميادين والمجالات. كما أن هذا القرار يؤكد على الالتزام الجماعي لأي دولة خليجية وحماية عروبتها وانتمائها الخليجي وتجسيد مطالب الشعوب الخليجية، ولتحقيق الأمان والاستقرار للمنطقة.
لكن السؤال المهم هنا، هل قوض قرار دخول قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين ركيزة السيادة البحرينية؟ فالمنظمات الإقليمية دائما ما تواجه معضلة تتعلق بإثارة التحديات في وجه سيادة الدول. ولعل البارز هنا، أن قرار مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات درع الجزيرة لمملكة البحرين لعب دورا كدرع واقية للسيادة البحرينية وليس الوقوف ضدها أو تحديها، فمجلس التعاون الخليجي أراد من هذا القرار بناء آلية لمساعدة البحرين في حماية منشآتها وأمنها، وتقليص فرص تدخل أية جهة غير خليجية لتعزيز الاستقرار في مملكة البحرين.
نحن نفخر كخليجيين بالدور القوي والقرار التاريخي لدول مجلس التعاون الخليجي بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك وارسال قوات للمملكة البحرين، فالهدف الخليجي عبر مجلس التعاون هو حماية سيادة الدول الخليجية والسعي لتأكيد الهوية الخليجية وليس إضعاف الأسس التي ترتكز عليها تلك الدول، وإلا فما فائدة النزعة الإقليمية الخليجية إذا لم تف بمعايير الأمن والسلامة وحماية سيادة دولها على صعيد التطبيق؟!
[email protected]