مع دخول العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة اسبوعه الرابع، وفي ظل الهجمات المكثفة التي تشنها قواته على القطاع جوا وبرا وبحرا، وما تلحقه من دمار شامل للمنازل والمدارس والمستشفيات وجميع صور الحياة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص وقذائف الطائرات والدبابات، ورائحة الموت المنتشرة في ازقة غزة وشوارعها، تزداد الاوضاع الإنسانية هناك سوء وتتفاقم معاناة السكان يوما بعد يوم، اذ تفتقر المدينة لادنى مقومات الحياة، ولا يستطيع اي انسان تحمل مثل تلك الأوضاع المزرية لبضع ساعات، فقط ابناء غزة البواسل، ونساؤها الصابرات، وشيوخها المرابطون، وحدهم هم من يقدرون على التأقلم مع تلك الظروف، في ظل انقطاع شبه دائم للمياه والكهرباء بعد تدمير الآبار والمحطات الرئيسية مما حولها الى «مدينة اشباح»، اما الخبز فاصبح صعب المنال، اذ يضطر الاهالي للوقوف عدة ساعات في طوابير طويلة للحصول على بضعة أرغفة، هذا اذا تمكنت المخابز من العمل.
«بدنا ميه، بدنا كهربا، بدنا نعيش، قتلوا ولادي، هدموا بيتنا، هانقاضي العرب والمسلمين امام الله يوم القيامة»، صرخات مفعمة بالحزن والغضب لسيدة فلسطينية فقدت كل شيء، ارتعدت منها أوصالي وانا أتابع تغطية احدى الفضائيات ليوميات العدوان على غزة، حيث لخصت تلك المكلومة في كلمات قليلات المآسي التي يشهدها القطاع الجريح، في ظل ميزان قوى غير متكافئ بين الاحتلال والمقاومة، والمجتمع الدولي لا يحرك ساكنا، اما عربيا فما زال التخاذل سيد الموقف وكأن شيئا ما لم يحدث.
فالمنازل تهدمت فوق رؤوس قاطنيها ولم يتبق منها الا اطلال، والمستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب أعداد الجرحى وضاقت ثلاجاتها بجثث الشهداء، ولكم ان تتخيلوا حجم تلك الكوارث، فبحسب الاحصائيات الرسمية هناك اكثر من 1700 شهيدا و9000 مصاب 90% منهم مدنيون وربعهم من الاطفال، كما ارتفع عدد النازحين الى حوالي 250 الفا في المدارس الحكومية والتابعة لـ«الاونروا» والتي قصف العدو اعدادا كبيرة منها على من احتمى بها، ..حقا انها لمأساة كبرى عندما لا يجد الانسان مكانا آمنا في وطنه يأوي اليه.
فقط، هي مبادرات تقدم وترفض وهدنات تعقد وتنسف واجتماعات ومؤتمرات، ولا احد يدرك حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها اهالي القطاع في كل لحظة، فمن الذي يستطيع ان يوقف تلك المجازر والغطرسة الإسرائيلية؟ ..عذرا غزة، اننا متخاذلون.
٭ في خضم ذلك المشهد القاتم السواد تلوح في الافق بطولات رائعة يسطرها المناضلون الفلسطينيون في ميادين القتال يوما بعد يوم، ولا يسعنا الا ان نقول لهم:
إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر.
وللكيان الصهيوني نقول:
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة.. ان البعوضة تدمي مقلة «الأسد».