«ليس من رأى كمن سمع»، سمعت وقرأت تلك المقولة كثيرا، وتيقنت من صدقها عندما زرت مدينة مراكش المغربية مؤخرا لتغطية فعاليات مؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية»، فحينما ذهبت إلى السفارة المغربية بالكويت لإنهاء إجراءات السفر، سألت القائم بالأعمال السفير المهدي الرامي عما إذا كان برنامج الزيارة سيشمل مدنا أخرى، فقال لي «انت محظوظ لأنك ستزور مراكش، فوحدها تكفي». فما إن وطئت قدماي ارض المدينة، حتى انتابني للوهلة الأولى شعور جميل، وترددت على مسامعي كلمات القائم بالأعمال المغربي «مراكش تكفي»، فالمدينة البديعة تصخب بالحياة على مدار الساعة، تزهو بالسحر والجمال، تترامى حدائقها وساحاتها البهية في كل مكان، تنسدل مبانيها ذات الارتفاعات المتساوية تقريبا والتي لا تزيد في معظم الأحوال عن 5 طوابق بألوانها الحمراء في تناغم تام مع أشجار «الزنبوع» الخضراء ذات الثمار الصفراء التي تشبه البرتقال، وتتميز بسمائها الزرقاء الصافية، لتشكل فسيفساء خلابة تأسر الألباب وتحكي فصولا من عظمة وبهاء المدينة، الى جانب تلك المقومات الفريدة وعناصر الجذب السياحي الهائلة، فثمة ابتسامة ذات طابع خاص تعلو وجوه أهل مراكش، سرعان ما تترك آثارا وانطباعات لا تنسى في نفوس زائريها، فالمراكشيون «شعب مضياف»، وهي كما يقال «مدينة البهجة».
تزخر مراكش بالعديد من الأماكن الأثرية، بدءا من الأسوار القديمة والقصور التراثية مثل «البديع» و«الباهية»، مرورا بمسجد الكتبية العريق، وساحة سيدي علي بن الفلاح الشهيرة، والمقاهي التي يرجع تاريخ البعض منها إلى فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، وصولا إلى «ساحة الفنا» المصنفة من قبل «اليونيسكو» ضمن التراث الإنساني العالمي، ففيها تروى القصص والحكايات وتمارس الفنون الشعبية وأهمها «الكناوة»، ويجد الزائر بين جنباتها المكان الأنسب للتسوق، فالساحة تعج بالحركة، وأصوات الباعة والحكواتية لا تهدأ، وعلى الرغم من ذلك الضجيج المتواصل، فإنه عندما تؤذن المساجد المحيطة بها للصلاة يسود المنطقة هدوء وسكون تام حتى الانتهاء من أداء الفريضة!
المرأة المراكشية ذات طبيعة خاصة، محبة للعمل، تتطلع دائما لمستقبل افضل، تراها في مختلف الوظائف والأعمال، ربما هي الوحيدة في المغرب التي تقود الدراجة الهوائية والنارية بمهارة فائقة، وتستخدمها كوسيلة رئيسية للتنقل في مختلف الأماكن.
عمدة مراكش محمد العربي بلقائد أكد لي، في لقاء صحافي اجريته معه، ان هناك جهودا كبيرة تبذل من مختلف الهيئات والقطاعات للحفاظ على شكلها وطابعها التراثي الذي تميزت به منذ آلاف السنين، ويلاحظ الزائر لمراكش ان النسق العمراني لها يصلح كنموذج فريد لتصميم المدن العربية.
باختصار، مراكش ليست كسواها من المدن، تجمع بين البعدين الثقافي والترفيهي، في شوارعها يوجد المسجد بجانب الكنيسة والمعبد في ثلاثية تنم عن تسامح ديني لا نظير له، وداخل بوتقتها تنصهر الأضداد المختلفة، فهي وجهة سياحية جديرة بالاكتشاف، ويروق لي أن أسميها «درة التاج المغربي»..
حقا «ليس من رأى كمن سمع»!