تابعت مؤخرا قضية تناولتها وسائل إعلام إحدى الدول العربية الشقيقة، معروفة إعلاميا بقضية نائب القمار والقضية باختصار هي أن أحد نواب الشعب صور وهو يلعب القمار في أحد الفنادق. لم تدهشني القضية لأن الفساد والانحراف الشخصي موجودان في كل الدول والجريمة ظهرت على الأرض بظهور الإنسان ومن منا ينسى أول حرب عالمية راح ضحيتها سدس العالم حينما قتل قابيل هابيل. كنت أناقش هذه القضية مع صديق ينتمي لنفس الدولة العربية الشقيقة، أعترف بأنه نظر للقضية بشكل مغاير موضحا أن هذا النائب عصى المولى عز وجل وأساء لنفسه ولعائلته ولكن خطأه في رأيي لايزال في الإطار الفردي، حيث إن الخطر المحدق هو النواب الذين يقامرون على مصلحة الأمة.
العمل السياسي كيان معرض للإصابة بأمراض عضال تتفاوت في حدتها على حساب خصوصية الوضع السياسي في كل دولة وآلياته، فكم من دولة تحولت لواحة رخاء بسبب صلاح جسدها السياسي وكم ذاقت أخرى مرارة المعاناة بسبب عشوائية وترهل هذا البدن.
والمتتبع للأوضاع على الساحة في الكويت يجد أن الكويت تمتلك كل المواصفات اللازمة للاستقرار والازدهار بداية من مؤسسة الحكم التي اجتهدت لتؤصل مبادئ الحرية والديموقراطية وتعززها، وقوة اقتصادية تتمثل في وفرة مالية تعتبر نقطة انطلاقة حقيقية نحو آفاق التنمية والرخاء، اضافة الى عنصر بشري وطني مميز وعقول قادرة على الإبداع اثبتت وجودها في الداخل والخارج، على الرغم من توافر كل هذه الامكانات إلا أن العمل السياسي في الكويت مصاب بأمراض تعيق تقدمه، وتسيء لصورته، حيث ترفع من حرارة الحوار السياسي وتعطل وظائفه الحيوية.
الشخصانية من امراضنا التي تحتاج إلى تدخل سريع وحاسم فهي أساس تحول المواقف وتحريك الأجندات، فحينما دخلت الشخصانية على الاستجوابات الأخيرة، والتي كان أحدها كفيلا بالإطاحة بوزير، فرغتها من محتواها وخرجت بها من إطار الموضوعية والمصلحة العامة إلى آفاق شخصية ضيقة تطول كرامات الناس وخصوصياتهم. مع الاحترام الواجب للأداة الدستورية ومستخدميها.
فمن عباءة الشخصانية خرجت أمراض أخرى مثل غياب الرؤية والهدف المشترك الذي ينفي صفة التعاون بين السلطتين ويجعلهما قطبي مغناطيس، التنافر هو السمة الغالبة على طبية العلاقة بينهما، وتلاشي فلسفة الخلاف الذي لا يفسد للود قضية وتدني لغة الحوار وتفشي ظاهرة التهم المعلبة، والمتاجرة بالوحدة الوطنية التي هي من الثوابت التي جبل عليها المجتمع الكويتي.
يا نواب الأمة استمعنا كثيرا لكم وآن الأوان لان تستمعوا إلينا، يا سادة نحن بحاجة لميثاق للعمل النيابي يجمع شتات النواب ويوحدهم على كلمة سواء تبين شكله وماهيته وان اختلفتم وهذا امر لا ينازعكم عليه عاقل يكون اختلافكم منضبطا وتكون أجندته وسنامه وجل اهتمامه مصلحة الكويت وأهلها، ولابد أن يتزامن ذلك مع تفعيل اللائحة الداخلية للمجلس والتي ملت من حبستها داخل الادراج والتي بسبب عدم تفعيلها انزلقنا إلى هذا المنحدر المظلم الذي تتعالى فيه الاصوات وتغيب عنه الحكمة.
ولنا كلمة: قال الفيلسوف جان جاك روسو «الناس الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيرا، اما الذين يعرفون الكثير فلا يتحدثون إلا قليلا». والقوانين الجيدة تؤدي لخلق قوانين أفضل، والقوانين السيئة تؤدي إلى قوانين أسوأ.