تتحدد فاعلية أي برنامج تطويري أو إصلاحي بمقارنة الموارد التي خصصت له والأهداف المطلوبة منه بالنتائج والانجازات التي حققها فعلا. ووفقا لهذا المفهوم فإن تجربة الكويت في مجال التطوير الإداري والتي بدأت ملامحها منذ 1960 وترسخت كخطوات فعلية في طريق الإصلاح الإداري في عام 1984 بصدور مرسوم أميري بتشكيل لجنة عليا لتطوير وتحديث الجهاز الإداري، لهي تجربة خلاقة تستحق الوقوف عند تفاصيلها التي يصعب اختصارها في هذا الايجاز.
إلا أنه من الملاحظ انه بالرغم من الجهود والموارد التي وجهت لفاعلية عملية التطوير خلال العقدين الماضيين والجهود الحثيثة التي أثمرت نتائج ملموسة انعكست إيجابا على مستوى الأداء الوظيفي للعاملين تحت مظلة الخدمة المدنية نلاحظ تعرض هذه التجربة الطموحة لبعض الإخفاقات نتيجة لعدم التوازن التام بين استثمار الموارد البشرية وآلية التطوير من جهة والنتائج المتحققة والية تقييمها من جهة أخرى. وسنستعرض وإياكم أهم الظواهر الإدارية السلبية التي تم رصدها منذ 1984 وواقع المعالجة الحالي لها وذلك من وجهة نظرنا كمهتمين ومؤمنين بضرورة رصد هذه الجهود وبيان ما تحقق منها ومعالجة أوجه القصور فيها.
أولا: التشابك في الاختصاصات: بالرغم من الجهود التي بذلت من خلال تشكيل لجان عديدة بهدف القضاء على هذه الظاهرة الإدارية المزمنة ومنذ أن تم تحديدها في عام 1976 فإنه لم يتم التوصل الى حلول نهائية لهذه المشكلة، وهذا ما يؤكده الواقع الإداري للجهاز التنفيذي منذ أن تم رصد أكثر من 277 حالة تشابك في الاختصاص بين جهات الدولة وذلك في عام 1989 حيث لم تفلح الجهود إلا بفك تشابك عدد محدود من الحالات التي تم رصدها وهذا الإخفاق تتحمله قطاعات الدولة بنسب متفاوتة تبعا لخصوصية كل جهة، اضافة لطبيعة فهم القائمين عليها لمنظومة الاجراءات المتداخلة، والمرتبط بعضها بالآخر ارتباطا تكامليا، لذلك يجب الأخذ في الاعتبار خصوصا ونحن مقبلون على مرحلة تنفيذ الخطة التنموية المتوسطة الأولى انه يجب ان تكون هناك قراءة فاحصة لواقع الإجراءات الإدارية تحديدا، ولنبدأ باعادة هيكلة الدورة المستندية المتضخمة في الجهة الواحدة والتي وبلا شك ستكون حاجزا حقيقيا لجهود التنمية والتطوير الإداري مجتمعين وهذا يتطلب خطة طوارئ عاجلة تستهدف إصلاح هذا الخلل البين في منظومة الإجراءات والتي بسببها قد نوجد القطار ثم نبحث عن السكة مما يزيد من كلفة عملية الإصلاح والتطوير.
ثانيا: التدريب: حيث شهدت السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في المعدلات السنوية لتنمية المهارات الإدارية والفنية للعاملين في الجهاز الإداري في الدولة وهذا ما يحسب للقائمين على صياغة وتنفيذ استراتيجيات التدريب، إلا انه من الملاحظ ان بعض تلك البرامج تعاني حالة من الجمود نتيجة التكرار وعدم وجود ارتباط حقيقي بين احتياجات العنصر البشري وأهداف عملية التدريب، إضافة الى بعض الأساليب التدريبية التي لم تعد تحاكي مكامن الخلل والضعف بقدر محاكاتها واهتمامها بالصورة المثلى لعملية التدريب وهذا لا يقلل من قيمة هذه الجهود بقدر ما هو رصد لواقع تسهل معالجته وتطويره وهذا ما يدعونا إلى التفاؤل بتدريب يشكل قيمة مضافة حقيقية وفاعلة في المستقبل القريب.
ثالثا: عدم وضوح أهداف الوحدات الحكومية: واقعيا من الصعوبة بمكان أن نختزل عدم وضوح أهداف الوحدات الحكومية بعدم فاعلية عملية التطوير فيها، فمن المعروف أن الأهداف مرتبطة بالسياسات والأخيرة مرتبطة بتوجهات الحكومة وتركيزها على أهداف محددة بطريقة لا تتيح القدر الكافي من المرونة لتحقيق سائر الأهداف الموضوعة من قبل الوحدات الحكومية وأدل مثال هو قيد الميزانيات التي تحدد على أساسها الأولويات وبالتالي فإن عدم وضوح الأهداف لن يكون له ارتباط مباشر في عملية التطوير ما لم يكن التطوير بحد ذاته هدفا وغاية تلتف جميع الجهود لتحقيقه.
رابعا: بطء تقديم الخدمة للمواطن: ان أفضل مثال لقياس مدى كفاءة الجانب التطويري لأي جهة حكومية هو مدى قدرتها على ابتكار منظومة خدمية متكاملة تكون مقاييسها السرعة والإتقان والعدالة وهناك تجارب حققت هذه المقاييس بفاعلية كبيرة في جهات عديدة منها التأمينات الاجتماعية، ديوان الخدمة المدنية، الهيئة العامة لشؤون القصر، الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وبفاعلية مرضية بجهات أخرى مثل وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة المواصلات، وبفاعلية منقوصة لا ترقى لمستوى جهود التطوير المبذولة مثل وزارة الشؤون، وبلدية الكويت. وهذا التفاوت بين الجهات الحكومية المختلفة بدرجة من الفاعلية مرده بلا شك وضوح الهدف لدى تلك الجهات بدرجات متفاوتة، وغيابه كليا عند جهات اخرى وقد يكون ذلك مؤشرا يمكن الاستناد اليه نسبيا في تحديد كفاءة بعض القيادات في تلك الجهات.
إن استعراضنا لواقع تجربة التطوير الإداري في الكويت هو باعتقادنا إشارة الى ما يستحق الإشارة إليه وتحديدا أننا مقبلون على مرحلة مفصلية من عمر الوطن، إما ان تتحقق التنمية فيها بكل الجوانب وعلى جميع الأصعدة وإما أن نكتفي بمتابعة تجارب الآخرين فيزيد لدينا الأسى وتقل عندنا الحيلة.
أخيرا: للنائب السابق ووكيل التطوير الإداري الأسبق ناصر الصانع أقول شكرا «كبيرة» لقد أوجدت الفارق بامتياز عندما أسست القواعد وأهلت الفريق استعدادا لهذه المرحلة، والاشادة موصولة بالقائمين على جهود التطوير الاداري في هذه المرحلة، وحتما ننتظر منكم المزيد.
[email protected]