نيابة عن الرئيس أوباما وشعب الولايات المتحدة، أتقدم بخالص عبارات التهاني للكويت حكومة وشعبا بمناسبة الاحتفالات بالذكرى الخمسين على الاستقلال، والذكرى العشرين لتحرير الكويت على ايدي قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، والذكرى السنوية الخامسة على تولي صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي ندين له بعميق امتناننا لدعمه الثابت والاصيل للعلاقات الكويتية ـ الاميركية، لذا انتهز فرصة الاحتفال بهذه المناسبات الثلاث المهمة لأتمنى للشعب الكويتي احتفالات سعيدة.
وتأتي مناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لاستقلال الكويت كفرصة سانحة لوقفة تأمل وتقدير لجميع الانجازات التي حققها الشعب الكويتي للامة على مدى العقود المنصرمة، والاحتفاء بالتراث الاستثنائي الغني بالمشاريع والاعمال، وفي هذه المناسبة تشارككم الولايات المتحدة الاميركية الاحتفاء بتاريخ الكويت وتقاليدها وثقافتها، فالكويتيون بحنكتهم الواسعة تمكنوا دائما من توظيف بل مضاعفة جميع مقدراتهم سواء كانت من اللؤلؤ او التمور او من المواد الهيدروكربونية، وكانت هذه الحنكة ضرورية للغاية للحفاظ على بقائهم في ايام الاحتلال الحالكة السواد.
ويعود التعاون الاول والدائم لبلادي في الكويت لعام 1911 عندما دعا سمو الشيخ مبارك الصباح الكنيسة الاصلاحية الاميركية لتأسيس اول مركز طبي في الكويت، وسرعان ما عرف هذا المستشفى الذي أسسه هؤلاء المبشرون الاطباء باسم المستشفى «الاميركاني»، وظل لسنوات مظهرا رئيسيا من مظاهر الثقافة الاميركية في هذه المنطقة، لقد قدم هذا المستشفى خدماته الطبية لآلاف من الكويتيين، فوضع بذلك اساسا لفهم افضل بين الاميركيين والكويتيين في جميع مجالات الحياة، ومن جانبهم اقام المبشرون بصداقات مع الكويتيين، وتقاسموا معهم المهارات، بل عملوا جنبا الى جنب لتحقيق اهدافهم المشتركة، لقد انتابتني السعادة لقيام دار الآثار الاسلامية بتجديد المبنى التاريخي للمستشفى الاميركاني واستعدادها لاعادة افتتاحه كمركز ثقافي يرمز لهذا الارث الذي لايزال يعمل على تعميق روابط الصداقة بين الكويتيين والاميركيين وغيرهم ممن يعيشون على ارض الكويت.
بدأت الولايات المتحدة شراكتها الاقتصادية مع الكويت عندما دخلت شركة نفط الخليج الاميركية عام 1930 في مشروع مشترك مع شركة النفط البريطانية ـ الفارسية التي عرفت لاحقا بشركة نفط الكويت، ومع هذا التطور ساهمت اجيال اميركية من رجال النفط والمهندسين ورجال الاعمال واسرهم بأفكارهم ومهاراتهم وخبراتهم المهنية والعملية مع التأكيد في الوقت نفسه على عميق تقديرهم للمجتمع والثقافة الكويتية الفريدة ولامكاناتها الهائلة كلاعب اقتصادي وسياسي فاعل في المنطقة، ومن الجدير بالذكر فقد أنشئت شركتا جنرال موتورز وفورد في الكويت قبل حصولها على الاستقلال، كما ان فندق شيراتون، الذي تم تشييده عام 1966، هو اول فندق دولي من فئة الخمس نجوم في الكويت، وهو ايضا اول فندق للشيراتون تم انشاؤه خارج الولايات المتحدة.
كما اسست شركة جنرال إلكتريك لشراكة مع الحكومة الكويتية والقطاع الخاص لتنفيذ مشاريع البنية التحتية والطاقة ومشاريع المياه لاكثر من ثلاثين عاما، وكان المشروع المشترك المتمثل في شركة ايكويت للبتروكيماويات مشروعا مربحا للجانبين، ادت كل هذه الامور الى نمو شراكتنا الاقتصادية بشكل مطرد على مدى سنوات، وسنعمل على مواصلة هذا النمو في المستقبل، وأسهم هذا التلاقي بين الخطة التنموية الرباعية التي رسمتها الكويت بهدف تنويع اقتصادها من جهة مع مبادرتنا الاميركية الوطنية للتصدير من جهة اخرى، والتي تهدف مبادرتنا بالاساس الى مضاعفة الصادرات على مدى خمس سنوات في خلق العديد من الفرص للشركات الاميركية والكويتية للعمل معا من اجل تحقيق المنفعة المتبادلة.
وعلى الصعيد الثقافي والتعليمي سعت الدولتان للعمل معا لتعزيز عدد من برامج التبادل الثقافي والتعليمي الراسخة، ونفتخر بالقول ان عشرات الآلاف من الطلبة الكويتيين تلقوا تعليمهم في الجامعات الاميركية، وسنواصل الجهود المبذولة لجذب المزيد من الطلبة كل عام، ومما يدعو للبهجة تبادل المعارف بين الخبراء الكويتيين والاميركيين، وتعاونهم في مجالات البحوث، ومن اهتماماتنا القوية والمشتركة تنمية الموارد البشرية في المنطقة، الامر الذي يعتبر بالغ الاهمية لخلق فرص عمل ذات جودة عالية، وكذلك ايجاد دخول للمواطنين، وكثيرا ما قلت ان المورد الوحيد المتجدد الذي تمتلكه الكويت هو شعبها، واننا نتقاسم الاهتمام بتطوير هذا المورد، والاستفادة من ابداع وطاقات شبابها.
ترتكز علاقات الصداقة القوية التي تربط بين الولايات المتحدة والكويت على القيم الاساسية المشتركة المتمثلة في دعم الديموقراطية، وتبني سياسة الاسواق المفتوحة، وتمكين المجتمع المدني والاسرة بجميع افرادها، ومن الامور المثيرة التي تسترعي الاهتمام والوقوف عليها هو تنامي دور المرأة وازدهاره في السنوات الاخيرة على المستوى السياسي في الكويت، فلقد اصبحت الكويت نموذجا يحتذى به في المنطقة، كما انها محل تقدير من الجميع بفضل ديموقراطيتها النابضة، والدور المهم الذي تؤديه المرأة في جميع جوانب المجتمع، وكما شاهدنا جميعا فقد لعبت «وسائل الاعلام الاجتماعية» دورا مهما في تطور الاحداث في مصر مما دفع البعض بتذكيري بدور الشباب الكويتي والمدونين المهتمين بالعمل السياسي عام 2006 في المساهمة بشكل حيوي في اتخاذ قرار بتخفيض عدد المناطق الانتخابية في الكويت بهدف خلق مزيد من الديموقراطية التمثيلية.
لقد اكملت الشراكات والعلاقات التي تربطنا بصديقنا وحليفنا الاستراتيجي (الكويت) عامها العشرين عندما وقفنا جنبا الى جنب للتغلب على التهديد المشترك، عندما انضم الشعب الكويتي الى قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت من قبضة قوات صدام حسين واستعادة السلام في شبه الجزيرة العربية، علينا ان نتذكر ونكرم كل من ضحوا بأرواحهم دفاعا عن الكويت اثناء حرب الخليج، كما اننا لن ننسى ابدا ان هناك مواطنين كويتيين لايزالون مفقودون منذ غزو واحتلال الكويت، ونؤكد من جديد التزامنا بالعمل مع اللجنة الثلاثية للجنة الدولية للصليب الاحمر، ويحدونا الأمل أن نعرف في نهاية المطاف مصير هؤلاء المفقودين.
اليوم شراكتنا لاتزال اقوى من اي وقت مضى، فالكويت قدمت لنا دعما لا يمكن الاستغناء عنه للقيام بعملياتنا الامنية في المنطقة، وكان هذا الدعم حاسما في الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة لتحقيق التحول في العراق، وتحقيق الأمن والاستقرار بعد سقوط نظام صدام حسين، اننا نقدر دعم الكويت السخي للوصول الى اهدافنا الاقليمية والامنية المشتركة، ولاسيما انها قد وفرت منشآت لتقديم دعم لوجستي قوي للجيش الاميركي كان بالغ الاهمية في جهودنا المشتركة الرامية الى عراق مستقر ديموقراطي ذي سيادة.
وفي عالم اليوم لم يعد الأمن مقصورا على الحفاظ على حدود جيوسياسية آمنة او التصدي للتهديدات العسكرية، فتوفير الغذاء والمياه وتأمين الموارد، ومجابهة الكوارث الطبيعية مثل موجات التسونامي والزلازل العنيفة والفيضانات، وتطوير مصادر جديدة للطاقة مع الحفاظ على المعلومات وحماية البنى التحتية للطاقة، ومعالجة المخاوف الصحية، سواء كانت متوطنة او وبائية: كلها تحديات عالمية يتعين علينا مواجهتها معا كشركاء ضمن «تحالف القدرة والارادة».
وكما شهدنا في الاسابيع الماضية، تهدد التحولات الديموغرافية، والبطالة، والفساد، وعدم المساواة الاستقرار، فالشباب الذين يشكلون معظم المجتمعات السكانية في هذا الجزء من العالم والذين تخطى معظمهم مراحل تعليمية متقدمة يبحثون الآن اكثر من اي وقت مضى عن فرص اكبر للمشاركة السياسية والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تشكل مستقبلهم، ومنحهم الحرية لتوظيف ما تعلموه وما لديهم من ابداعات في عالم الاقتصاد كي يتسنى لهم بناء مستقبل اكثر ازدهارا لهم وللاجيال المقبلة، وفي هذا الصدد، تتمتع الكويت وشعبها بمميزات تتطلع اليها دول اخرى في المنطقة، الا انني على ثقة بأن الكويت لن تكتفي فقط بالاعتماد على هذه الانجازات بل ستعمل على مواصلة البحث عن فرص لتحقيق قدر اكبر من الحرية وخلق مزيد من الفرص لشعبها، ان الحكم الرشيد يعتمد على اقامة «هيكل يتسم بالتحرر» يسمح بأكبر قدر من الانتاج والابداع ضمن اطر الحماية التي يرعاها القانون.
انه ليشرفني ان أؤدي دوري كمبعوث رفيع المستوى للكويت على مدار ما يقرب من ثلاث سنوات من الآن، رسخت فيها صداقات فريدة مع الشعب الكويتي، ولمواصلة هذه العلاقات المتميزة، فإنني على ثقة بأن الولايات المتحدة الأميركية والكويت ستربطهما شراكة متينة لسنوات عديدة مقبلة من خلال عمل حكومتيهما على تحقيق الاهداف المشتركة المتمثلة في التصدي للتهديدات الاقليمية والعمل على احلال السلام والازدهار في المنطقة، وفي الختام، نتطلع لتعميق وتعزيز صداقاتنا وعلاقاتنا بين الشعبين في العقود المقبلة.
كل عام وأنتم بخير يا أهل الكويت وشبابها.