35 ألف شخص عدد الحضور، يا ترى هذا حضور لأجل ماذا؟ مباراة كرة قدم أم حفلة غنائية أم أمسية شعرية؟ لا بل محاضرة دينية بحتة دللت على فطرة أهل الكويت السليمة وطابعهم المتدين والمحافظ وحبهم لذكر الله ولأهل الدين، وأظن الحضور كان يمكن أن يكون أكثر لو كان هناك متسع كاف للسيارات حول المسجد الكبير.
الشيخ مشاري الخراز في محاضرته القيمة «كيف تتعامل مع الله» في حقيقة الأمر لم يأت بجديد في الشرع، فكل ما ذكره إنما استقاه من كتاب الله وسنة نبيه وأقوال علماء السلف، لكنه أحسن الإعداد وأجاد في الإلقاء وتفهم ما يحتاجه المستمع والمشاهد، كما أن الخراز أدرك حقا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، لذلك فإعداده تجاوز السنة أو السنتين.
المحاضرة تميزت باستخدام التكنولوجيا وأحدث أجهزة العرض والجذب، واعتنت بالتركيز على كل ما يشد المستمع والمشاهد، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وبلاغه، حيث استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أساليب بديعة وعديدة في دعوته، فهناك أسلوب البشارة والنذارة، وضرب الأمثال ورواية القصص، وعرض المعلومة بتكرار أو بطريقة السؤال والجواب، ومنها حسن استغلال المواقف والأزمنة المناسبة، وهذه كلها من الأسباب الكونية التي أمرنا نحن المسلمين بإتباعها والتزامها في دعوتنا للآخرين، وليست القضية مجرد قول أحدهم «اللهم بلغت اللهم فاشهد» دون بيان وجدال بالتي هي أحسن، ودون صبر وتأن مع الناس.
وأمثال الخراز كثيرون والحمد لله، ممن يقدم الفائدة والمعلومة المنتقاة على طبق من ذهب، وبالمجان دون مقابل، كمثل الداعية فؤاد الرفاعي الذي يدفع من جيبه الخاص وينشئ مركزه الدعوي الكبير «وذكر»، في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وآل بيته، وفي إحياء السنن المهجورة، والداعية عبدالرحمن السميط وجاسم العيناتي اللذين نذرا أنفسهما لرعاية فقراء المسلمين وأيتامهم في القارة الافريقية، وطارق العيسى ومحمد العوضي وغيرهم وغيرهم ممن لا يسعف المقال ذكرهم بأسمائهم، ولو خرجنا من الكويت إلى رحاب العالم الإسلامي لوجدنا القرني والعريفي والمنجد ومحمد حسان ممن بورك في أعمالهم الدعوية، وطرح لهم القبول عند الكثيرين.
أخيرا: أتمنى وأرجو من إخواني من ذوي التوجه الليبرالي في ظل الأجواء الربانية والنسائم الإيمانية التي عيشنا فيها الشيخ مشاري الخراز جزاه الله عنا خيرا ألا يعكروها بتعليقاتهم الباهتة التي لا طعم ولا معنى ولا داعي لها إطلاقا، ومن شر مقالاتهم التي خصصت للحط من عزم الدعاة إلى الله والسخرية بهم، فقد قرأنا لبعضهم ردودا مجحفة في حق ندوة الخراز الأولى «كيف تتلذذ بالصلاة؟»، فمنهم من زعم أن الندوة خطوة مقصودة للشهرة يريد صاحبها الترشح لمجلس الأمة، ومنهم من نصب نفسه فقيها ومفتيا يخطئ فكرة الندوة ومضمونها مستشهدا بالآيات والأحاديث ومفتريا على الله ورسوله، وآخر لم يلفت نظره ويشد انتباهه في ندوة الخراز سوى الاختناق المروري الذي أحدثه تدافع المصلين ومخالفة بعضهم لنظم وقوف السيارات حول المسجد، فصار أشبه بالذباب الذي لا يقع إلا على الجرح أو الوسخ، وفي الحديث النبوي «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه».
[email protected]