يستغرب البعض ويتساءل لماذا يغلب ذكر التوحيد على مجالسنا ومساجدنا؟ وهل الشرك لايزال موجودا في الأمة؟ ثم لماذا كل هذا التهويل لمظاهر الشرك والعمل على سد الطرق التي قد تؤدي إليه والتي قد يراها البعض نادرة الوقوع في مجتمعاتنا؟ ألا تملون من كثرة تكرار هذا الموضوع على آذان الناس؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد لنا أن نعلم حقيقة لا مرية فيها، وهي أن الله ما خلقنا إلا للتوحيد، كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي يوحدون، وان التوحيد لا يتحقق إلا بالبراء مما يعبد من دونه.
ولذلك كان من أولويات الأنبياء الدعوة لإفراد الله بالعبادة دون ما سواه، قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، ويكفي أن من فضائل التوحيد أن صاحبه لا يخلد في النار ومآله الجنة لا محالة، ففي الحديث القدسي «يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة»، وأما الادعاء بأن مظاهر وصور الشرك غير موجودة في مجتمعاتنا فيكذبه الواقع حيث نرى افتتان كثير من المثقفين فضلا عن العامة بالتمائم من خيوط وسلاسل وخواتم لجلب النفع ودفع الضر، وانبهارهم بالسحرة والكهنة والمشعوذين، علاوة على إيمان البعض بالخرافات والخزعبلات، كما أن القرآن يوضح أن الشرك مازال باقيا يصارع التوحيد كما قال تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
وإن ما تقوم به السلطات السعودية مشكورة متمثلة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تنظيم للمناسك وخدمة لبيوت الله، وما تقدمه من واجب البيان والنصيحة لزوار الحرمين يحتاج إلى المزيد من التشجيع والمؤازرة، فهم يواجهون أخلاطا من الناس كثيرة، فيهم العالم والجاهل، الشديد واللين، العربي والأعجمي، الأبيض والأسود، كثير منهم يأتي للحرم من بلاد بعيدة يسودها الجهل في الجانب الشرعي، وتنتشر فيهم مظاهر الشرك، هؤلاء لو ترك كل واحد منهم يصنع ما يشاء في المناسك بما يوافق هواه لحدث فساد عظيم، فقبل سنتين رأينا كثيرا من المجاميع التي افترشت صحن وسطح المسجد الحرام فضيقت الخناق على الطائفين والحجاج، وكل رأى مقاطع الفيديو التي صورت كيف قام بعض الجهلة وقساة القلب بالتعدي على قبر أم البنين رضي الله عنها ومحاولة نبشه في البقيع، ولولا تدارك الأمر من القوات السعودية لوصل الأمر إلى التعدي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والمصيبة تعظم حين تدعي تلك المجاميع حبها لأولياء الله زورا وبهتانا، وتستغيث بهم جهلا وظلما.
[email protected]