من الناس من يستمرئ الكيل بمكيالين، ويتبع نفسه هواه، يعيش التناقضات الصارخة في حياته، (فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، ومن صور هذه التناقضات ما يسمى بالورع البادر، فتجد أحدهم يتورع من فعل المباحات ويتحرز من الوقوع في صغائر الذنوب، في حين يقع في الكبائر والموبقات دون تردد.
يتورع بعضهم من أكل الحرام، بل يكثر من سؤال العلماء عن أحكام الكثير من صور البيوع والمعاملات التجارية القديمة والحديثة، فكل لحم نبت من السحت فالنار أولى به، وفي المقابل لا يتورع من أكل لحوم الناس بالغيبة، واطلاق لسانه بالكذب والبهتان والنميمة، (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه).
يدخل بعضهم المسجد ويكبر تكبيرة الاحرام ويدخل في الصلاة، لتبدأ سيمفونية الموبايل بنغماتها العديدة، فتؤذي المصلين وتزعجهم، فيتملكه الورع البارد، ويخشى من مجرد ادخال يده الى جيبه لاغلاق الموبايل أن تبطل صلاته بسبب الحركة الزائدة، فصاحبنا يبدو أنه حنفي متعصب يرى أن أكثر من 3 حركات تبطل الصلاة، والامام أبوحنيفة بلا شك منه براء، في حين لا يمانع أن يذهب خشوعه وخشوع جميع المصلين بسبب موبايله، وبل ولا يمانع في ادخال الموسيقى في بيت من بيوت الله، وفي الحديث «ان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
وأصل هذا الورع البارد قديم، ففي البخاري أن ابن عمر سأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق قال: انظروا الى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «هما ريحانتاي من الدنيا».
ومن صرعات الورع البارد الجديدة، التي طالعتنا به بعض الصحف استنكار واستهجان بعض الباردين والسذج على من وصف ذاك الخبيث الهارب الذي تعدى على عرض النبي صلى الله عليه وسلم بالزندقة والكفر والفسق بدعوى أننا في شهر كريم وفضيل، في حين أن ذاك الشقي وزمرته لم يتركوا كلمة بذيئة في قاموس اللغة العربية الا وأطلقوها على أمنا الطاهرة المطهرة، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
أخيرا: قال صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر».
[email protected]