ضاري المطيري
هو دكتور بل بروفيسور في مجال الهندسة، عاش في كندا قرابة ثلاثة عشر عاما قضاها بالكفاح والجد بين الدراسة من جهة والعمل من جهة اخرى، حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في زمن قياسي لقوة ارادته وتصميمه، عمل اثناء ذلك في معمل للطــيران المدني فاســــتفاد وأفاد لخبرته وكفاءته حتى انه لم يتمكن من بناء بيته الزوجي الا في وقت متأخر لانشغاله في بناء مستقبله المهني والعلمي، قدم الى الكويت ويا لفرحة الكويت عن طريق نصيحة من زميل له كويتي بأنه لا غنى له عن العيش في بيئة ملائمة لما نشأ عليه من قيم وعادات، وكان ذلك قبيل الاحتلال الغاشم، اي انه اعطى وأفاد لجامعتنا في حدود السبعة عشر عاما دون كلل او ملل، حكى لي وقص علي بعضا من مغامراته وكفاحه في جلسة ودية صغيرة لكنها كبيرة في فائدتها سريعة ولكنها متأنية في حبكتها، هالني منه تواضعه الجم، حيث عهدنا فيمن هم في مكانته العلمية العُجب او الغرور احيانا، استرسل في كيفية معيشته في بلاد الغربة وكيف عمد على مواكبتها بما هو مناسب، ودار الحديث بلا شك عن التكنولوجيا الغربية ومدى تقدمها في جميع المجالات الحياتية بل قد تحدثنا حتى عن نظامهم المروري في كندا وسياستهم العادلة من جهة العموم، لكن ما أعجبني فيه وزاده قدرا عندي حديثه عن غيرته على دينه وإخلاصه وتفانيه في ايصال صورته الجميلة الى الغرب، بل وصل الأمر الى نصرته بالحجة والإقناع رغم تواضعه في هذا المجال من باب سددوا وقاربوا، فما رأيت منه اســــتهانة بشـــرائع الدين الاسلامي ولا كان من الذين يغطون وجوههم خشية الإفصاح عن دينهم، مع ذلك ليست عليه سيم التدين لكنه خلوق بشوش في تعامله معروف في اخلاصه للعمل لدى ادارته سواء هنا او حتى قبل ذلك في بلاد الغرب.
لم يكن من لوازم حصوله على مؤهل علمي او زيادة خبرة ميدانية ان ينخلع من رداء الدين او جلباب الأخلاق، بخلاف البعض الذي لا يلبث ان يرى مسلسلا هابطا يدعو الى الانحلال من الاخلاق او فيلما سينمائيا من انتاج هوليوود يشوه الدين الا ويفتن في دينه ويقع في قلبه الشك او حتى اليأس من نصرة الله، وحتى ان بعضهم ترى عقيدته تزعزع بمجرد قراءة مقال لحاقد او ماكر فضلا عن ان يرى بعض الانجازات الغربية او تلك الانتصارات الوهمية التي تورث العجب بالغرب والافتتان بقيمه، بل احيانا تنقلب حاله من حال الى حال بمشاهدة لقاء تلفزيوني مع سليط اللسان معسول الكلام صاحب سجع وقافية يشكك بالعفة ويقدح بالشعائر الدينية.
فيأتي احدهم ويا للحسرة بعدما لُبس عليه الحق بالباطل يجادل ويماري في مدى مصداقية هذا الدين، بل لا يقـــــف على مجرد كونه يــــشك بل يريد ان يتعدى مرضه وشكه الى الغير من المسلمين، وكل هــــذا بلا ريب لضعف في شخصيته او خور في عزيمته، وقد نُهي المسلم في شريعتنا المطهرة عن ان يكون إمعة لا مذهب له ولا قرار وإنما أُمر ان يوطن نفسه على الحق سواء اتبعه الناس ام لم يتبعوه.
لقد تميز الغرب ووسعت رقعته في الارض لما تفرد في المجال العلمي القائم على البحث وعمل على اقامة نظام محكم في الادارة، نعم هذا هو سبب انتصارهم الحقيقي، فهم لم ينتصروا بتلك الاخلاق الرذيلة ولا المبادئ الهزيلة التي لن تلبث ان تهلكهم كما أهلكت الإمبراطورية الرومية من قبل حيث بدأت هزيمتها متزامنة مع انحلالها الأخلاقي الذي نخر فيها كنخر السوس.
لا أستغرب كثيرا لو وجدت أحدهم معجبا بالمعتقدات الغربية والمبادئ السخيفة ممن لهم اطلاع بالمجال المادي بالمجال الحقيقي الذي تميز به الغرب ألا وهو مجال التكنولوجيا، هذا على فرض وجود أمثال هؤلاء لأنهم قلة، لأن المأمول ممن لديه الإبداع العلمي والسعي فيه العقل السديد والرشاد، لكني أعجب أشد العجب ممن ليس لهم في هذا المجال قدم بأن يلهثوا وراء الغرب في مستقذراتها ويتركوا إبداعاتها العمرانية وإنجازاتها الصناعية، ختاما كان بودي لو غيرت عنوان المقال فكان «الشموخ او العزة الذي رأيت»، اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد.