ضاري المطيري
حالي كحال أي إنسان أعجب بالصناعة الأميركية وذهل من دقتها التي منحتها المنعة والغلبة في الحرب العالمية الثانية على أعدائها من اليابانيين والألمان، وحالي كحال أي شاب طموح يتمنى أن يكمل دراسته للدكتوراه في جامعات أميركا لما تميزت به تلك الجامعات العريقة من تخصصات فريدة، لكن لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن أعجب وأبهر بالأخلاقيات الرديئة والتصرفات الشاذة في تلك البقعة من العالم، فإذا كان «فرعون ذي الأوتاد» غرق واندثر «وثمود الذين جابوا الصخر بالواد» اضمحلوا واختفوا وإذا الإمبراطورية الرومية العظمى سقطت وتلاشت فلا أشك قيد أنملة في أن أميركا النووية ستخبو نارها ويخفت صيتها في القريب العاجل، خاصة أن الرابط بين تلك الأمم العظمى ان سبب زوالها واحد، فتلك الأمم أتت بما لم يأت به أسلافها من الملك والنفوذ والصناعة والطب لكنها هلكت ونخر السوس في بنيانها حتى تهاوت حين تردت أخلاقها إلى الحضيض وتخلت عن دينها فهلكت.
قد أتفق مع البعض في أن الهيمنة الأميركية الرأسمالية أهون بكثير من هيمنة الشيوعية في روسيا أو هيمنة الوثنية في اليابان، لكن المتتبع المنصف للأحداث يرى أن أميركا تسعى وراء مصالحها لا مبادئها المزعومة التي يتغنون بها في كل حين، نعم ساهمت أميركا وحلف الناتو في الدفاع المتأخر عن مسلمي كوسوفا وأعطتهم الاستقلال المشروط والمذل، لكنها بالمقابل تغافلت عن مسلمي الشيشان ولم تطالب بأحقيتهم في الاستقلال، ولنتذكر أيضا أن أميركا كانت يوما تدعم المقاتلين الأفغان وترى فيهم نموذجا شرقيا يتفق معها في خطر الشيوعية ثم ما لبثت أن وضعتهم في رأس قائمة الإرهاب المطلوبة فورا.
وإذا كان للولايات المتحدة الأميركية فضل في تحرير الكويت واستقلالها فإننا لا ننسى أيضا دور الدول العربية والإسلامية الأخرى، وإذا كان كل من ساعد في تحرير الكويت له الحق في التدخل في شؤونها الداخلية فلماذا يقتصر الأمر على أميركا فقط ولماذا لا يكون لسورية مثلا الحق في التدخل في شؤون لبنان؟ وإن كان يجب أن تفرض أميركا مبادئها على الكويت جزاء ووفاء لتحريرها فما المانع إذن من أن نستفيد من مبادئ الدول العربية الإسلامية والمجاورة والتي لها المنة الكبرى في التحرير والمتمثلة بالمملكة العربية السعودية والتي تطبق شرع الله وحدوده.
شيء جميل أن نطبق الديموقراطية الأميركية، وشيء حسن أن تكون لدينا جمعيات حقوق الإنسان كالتي في أميركا، لكن ليس لنا الحق في إنشاء سجون كسجن غوانتانامو البغيض، وشيء جميل أن تمنع أميركا دول العالم الثالث من حيازة الأسلحة المحرمة دوليا، لكن لنعلم أن أميركا نفسها هي أول من صنع القنبلة الذرية وهي أول من رماها واستخدمها، والمضحك أنها هي أيضا أول من جرمها وفرض العقوبات على مجرد التفكير في حيازتها، وشيء جميل أن نشجع الأعمال التطوعية الخيرية كما تشجعها أميركا والغرب، لكن ليس لنا الحق في إيقاف مساعدة المحتاجين من مسلمي العالم، وليس لنا الحق في إلقاء التهم جزافا دون بينة قاطعة ودليل واضح على جمعيات خيرية شهد لها القاصي والداني على نزاهتها كجمعية إحياء التراث الإسلامي، وبهذه المناسبة يجدر الشكر والثناء على وقفة القيادة العليا في البلاد مع الجمعية ابتداء من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد ورئيس الحكومة وجميع أعضاء السلطتين وأخص بالذكر وزير الخارجية الشيخ د.محمد الصباح على تصريحاته الشجاعة، وأنا على يقين من أن دفاع رموز الحكم عن العمل الخيري في الكويت أغاظ الكثيرين، فالبعض من الكتاب يصدق عليهم قول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
سجون الحرية والرقي
نشرت الزميلة «الوطن» في تاريخ 8/6/2008 خبرا على صفحتها الأخيرة جاء فيه: أعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» للدفاع عن حقوق الانسان أن الولايات المتحدة هي اكبر سجان في العالم حيث تعتقل اليوم وراء القضبان2.3 مليون شخص، أي أكثر من أي بلد آخر في العالم وأكثر من أي وقت مضى في تاريخها، ولعل هذه الإحصائيات المهولة جاءت ببركة بوش الابن وحربه المزعومة على الإرهاب، وفي الختام أهدي هذا الخبر إلى من قال لي ذات مرة: أحس أني آدمي «إنسان» حين أكون في أميركا أو في الغرب عموما، حيث حقوقي مكفولة ولا يستطيع أحدهم التعدي عليها خلافا للدول العربية القمعية، وما علم هذا أن الادعاء والزعم لا يغير من الحقائق شيئا.