ضاري المطيري
هكذا هي سنة الله، إما أن يجعل الله منك مفتاحا للخير ومغلاقا للشر نشيطا في فعل المعروف لا تسكن أبدا، وإما أن يتخلى الله عنك ويوكلك لنفسك فتكون متقاعسا متكاسلا خاملا، لكني مع ذلك لا أستغرب وجود الصنف الأول أو الثاني إنما أستغرب وأتعجب من وجود صنف ثالث، صنف لا هو الذي عمل واشتغل ولا هو الذي أكرمنا بسكوته وانطوى على نفسه وانعزل، إنما أخذ بمعول الهدم وسار على تخذيل الهمم والاستهزاء بأعمال الآخرين، فانظروا كيف هي نصيحة النبي ( صلى الله عليه وسلم )كما جاءت في الصحيحين، فعن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال «الإيمان بالله والجهاد في سبيله» قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال «أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا» قلت: فإن لم أفعل قال: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق» قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك».. فبعض الناس يعجز عن عمل الخير لذلك فإن أقل ما يستطيع فعله حينها هو ألا يخذل الآخرين ويكف شره عن الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
فمثلا يقوم الداعية مشاري الخراز خريج كلية الشريعة في الكويت بالمشاركة الفعلية في مجتمعه، وينشر ما تعلمه ويحرص على إيصال الخير الذي عنده، فيعد العدة ويرتب أوراقه ليخرج لنا سلسلة مباركة ومميزة من دروس «كيف تتلذذ بالصلاة»، داعيا بذلك الناس إلى العناية بركن عظيم من أركان الإسلام ولافتا إلى أهمية الخشوع الذي هو لب الصلاة، فهو لم يأت بشيء من جيبه غير ما احتوته كتب العلم والحديث، ولم يقدح بأحد أو يتعد على جماعة من الناس ليغضب عليه البعض، ولم يعط رأيا سياسيا أو وجهة نظر اقتصادية أو تحليلا عسكريا قابلا للأخذ والرد والسجال، مع ذلك وجدنا بعض الأقلام التي ليس عندها إلا الحط من إنجازات الأخيار وأعمال المصلحين، تحاول النيل منه فوجدنا من يصف عمله بالبدعة المنكرة التي لا فائدة مرجوة فيها، ومنهم من اتهمه بالسعي نحو الأضواء ولفت الأنظار حتى إن أحدهم اتهمه بالتخطيط نحو البرلمان واصفا درسه الإيماني والحاشد بالخطوة الأولى نحو عضوية مجلس الأمة، بل بلغ استهزاء بعضهم ليطول عقول الآلاف من الحضور الذين حرصوا على المشاركة والاستفادة، وأنا هنا أذكر بقول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
لذا فإن ما ناله الخراز من أذى سبق أن تعرض له الأنبياء والصالحون، وله في هذا الزمن أسوة بما ينال أخانا القارئ مشاري العفاسي بين حين وآخر حول اللمز بجديد أعماله، وكذلك ما نال الداعية خالد السلطان من إيقاف عن الخطابة دام أسابيع، وما طال الداعية بدر الحجرف من استهزاء من بعض الكتاب.
وأيضا فإن ما يصيب الجمعيات الخيرية من اتهام بالإرهاب في كل فترة على الرغم من شهادة الجهات الرقابية المختصة بسلامة موقفها يورث لدى الإنسان استغرابا شديدا، ماذا يريدون؟ ولما كل هذا التخذيل؟! فبعد فزعة القيادة السياسية في الكويت لجمعية إحياء التراث الإسلامي أصر البعض على عدم الاستسلام لحقيقة نزاهة الجمعية وسلامتها من الإرهاب أو من أي مخالفات مالية، حتى إن بعضهم وصل به الأمر إلى أن وصف ما جرى من تأييد ومؤازرة بأنه لا يعدو أن يكون نتيجة صفقة تمت بين السلف والحكومة، أليس في اتهام البريء تخذيل له عن الاستمرار في العمل والعطاء؟!
كتبت هذا المقال نتيجة ما أجده هذه الأيام في صفحات الجرائد من تسلسل منظم لمقالات بعض الكتاب لتخذيل كل ما هو إسلامي أو خيري، كمثل استهزاء البعض بالملصقات الناهية عن سب الصحابة رضي الله عنهم أو المطويات الحاثة على صيام الأيام البيض الثلاثة أو النشرات الموسمية التي تذكرنا بمواسم العبادة كشهر محرم وفضل صيام عاشوراء، فيا عجبا ألا يريدون أن يقوم أحدهم بتوعية الناس وتذكيرهم بالتي هي أحسن بدلا من التعنيف والشدة، وغيرها وغيرها من الأمثلة التي لو سردتها لوقعت في الإطالة.