ضاري المطيري
قال أحدهم في مقــــال له «... والــــتاريخ يحــــدثنا، بما لا يقبل الشـــك، أن هذه الدويلات ـ يعني دولة الخلافة الإسلامية الأمــــوية والعـــباسية والعثـــمانية ـ أثخنت الأرض بدماء المسلمين بشتى أنواعهم وانتماءاتهم حفاظا على الملك ومكاسب دنيوية صرفة».
ساءني جدا مثل هذا الوصف للخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، لكن لا عجب فهذا نتيجة السموم التي تسربت إلينا عبر الإعلام المقروء والمرئي بصفة خاصة، فتلك الأفلام والمسلسلات التي شوهت صورة الإسلام وأبطاله وشجعانه، فهل تصدقون أن خالد بن الوليد سيف الله المسلول بلحية عوارض؟ وهارون الرشيد الذي يحج عاما ويجاهد آخر يقضي جل وقته في الشرب والرقص والطرب؟ وصلاح الدين الذي أرهب الصليبيين وحرر القدس الحزين بلحية قفل بل ويغازل امرأة ويلاحــقها من مكان إلى مكان؟
إن كان يظن القارئ للوهلة الأولى لتاريخ الخلافة الإسلامــــية أنه عــــبارة عن حــــروب وثورات هنا وهناك فقــــط فليكن على دراية بأن المصــنفين والمؤرخين في الماضي دأبوا على تدوين وذكر الأحداث العظام والفتن والملاحم الكبار، فلا تجدهم يكــــثرون من ذكر فنون العمارة أو علوم الطب أو الأدب والشــــعر فليس محلها في كتب التاريخ والسير، لذا يجب ألا يتــــوهم من يقرأ في التاريخ وخاصة الكتب والمصنفات القديمة أن التاريخ الإسلامي يتمحور حول المعارك والحصار وفرض الجزية والثورة أو الاغتيال، كمثل الناظر اليوم إلى القنوات الإخبارية حيث لا تكاد تخلو نشرة إخبارية من ذكر ضحايا قصف أو انتشار أوبئة ومجاعات وحصول جدب وقحط في أقاصي العالم وخروج تــــظاهرات تسفر عن انقلابات وتوترات سياسية رغم أننا في الألفية الثالثة حيث جمعيات حقوق الإنسان لا تحصى ولا تعد والتي يراها البعض دلالة على الرقي والأخلاق.
العجيب أن بعض من يخجل من تاريخه الإسلامي يدعو في الوقت نفسه إلى الوحدة والاجتماع لنصرة قضايانا العالقة ويتزعم الحرب على كل من يناهضها بنظره، فأقول لمثل هذا إذا كان التاريخ الإسلامي بنظرك سوداويا وقاتما ولا خير فيه، فهل يا ترى سنرى النور الآن على يديك؟ إذا كان عمر بن عبدالعزيز والمعتصم بالله وهارون الرشيد وصلاح الدين ومحمد الفاتح لم تقنعك أفعالهم ولم يرق لك صنيعهم فمن يا ترى سيرضي طموحك؟ هل هم أتباع القاعدة أم حزب الله أم حزب التحرير أم الأحزاب التي تخرج لنا من الأرض في كل يوم؟! أم ماذا؟ فإذا كان فتح القسطنطينية (إسطنبول) وفتح الأندلس (اسبانيا) لم يملأ عينيك فلا أظن سيملأ عينيك تحرير غزة أو تحرير جنوب لبنان.
إذا كان هؤلاء لم يعجبهم عثمان بن عفان وعمر بن عبدالعزيز وصلاح الدين، فلا أظن أنه سيعجبهم الرئيس جمال عبدالناصر ولا الملك فيصل بن عبدالعزيز ولا حكام وملوك العرب اليوم إطلاقا، فرضى أمثال هؤلاء محال، وفي حقيقة الأمر هم يعيشون في وهم وخيال معرضين عن سنن الحياة محاولين مخالفة الطبيعة وجاهدين في مصادمة الواقع.
التاريخ يعيد نفسه، فالأسباب التي انتصرنا بها في السابق وانتصر بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصحبه الكرام هي نفسها لا غيرها التي سننتصر بها اليوم إن أردنا النصر حقا، وأنا كمسلم أفخر بتاريخي وأحسن الظن بأبطاله ورموزه، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، وأنظر بتفاؤل والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول «يعجبني الفأل»، ويقول «لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك».
قبل الختام أتساءل كيف لجيش إسلامي أن ينتصر ويصبو إلى العزة والتأييد من رب العالمين وهو يحرم إطلاق اللحية ويصادم هدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويأمر بحلقها، فهيهات هيهات.