إذا حاورت عالما شرعيا عاقلا حافظا، وعرفت كم أنت صغير أمامه، أو ناظرت فقيها أصوليا، ورأيت كم هي رخيصة بضاعتك في الفقه وأصوله، أو حضرت مجلس علم فوجدت الأرض وكأنما تدور من حولك، وأدركت أنك لا تفرق بين الأمور الخلافية والأمور الاجتهادية، ولا بين الذمي والمعاهد، وعجزت عن أن تفهم متى يأخذ المسلم بقاعدة التيسير ومتى يأخذ بقاعدة الاحتياط، وصرت تخلط بين مصطلحي المتعة والتمتع، ولا تحسن التفريق بين الناسخ والمنسوخ، وأحسست بصداع نصفي يكاد يفجر رأسك كلما سمعت بهذه الاصطلاحات والفروقات الشرعية واستصعبت تعلم العلم فدعك منه وعليك بالفكر، كن إذن مفكرا إسلاميا لا عالما شرعيا، فكلمة «عالم» كلمة أكبر من مقاسك بكثير، (قد علم كل أناس مشربهم).
فالمـــفكر لا يحـــتاج إلــــى دراســـة أصـــول فقه ولا مصطلح حديث، ولا إلـــى حــــفظ آيـــــات وأحاديث الأحكام، ولا يحزنون، «فقط شغل مخك شوية تصير مفكر ومحد قدك»، (إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر).
والمفكر الإسلامي لا يــــضطر طــــلابه إلى ســـؤاله عمن هم مشائــــخه وأئمــــته، حـــيث يمكنه أن يأتي بأقوال في الـــشرع لم يسبقه بها أحد من المسلمين، لا من قبل ولا من بعد، بل لو أمعن في التفكير قليلا فسيأتي بأشياء لم تخطر على فكر إبليس بحجمه وخبثه، وسيأتي بالجديد، والإعلام الآن يسأل عن كل ما هو جديد، وكما يقال الناس «عاوزه كده»، يمكنك كمفكر أن تعيد الخطاب الإسلامي وتجدد فهم النصوص، وتقول في تعدد الزوجات وقسمة الميراث بين الذكور والإناث ما لم يقله مالك في الخمر، وسيرى منك العــــالم بأسره الغرائب، وقديما قالوا «من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب».
أنصحك إن كان الكسل والدعة أقرب إلى نفسك من الجد والاجتهاد فكن إذن وبلا تردد مفكرا إسلاميا، فالمفكر لا يحتاج إلى مزاحمة العلماء على الركب، ولا الترحال بين الأمصار، ولا إلى سهر على المخــطوطات لآخر الليالي، ولا إلى حفظ أو مراجعة أو مذاكرة، تريدني أعطيك زبدة الحجي وبدون لف ولا دوران، ترى يا أخوي العلم مرتقاه صعب والفكر بنيانه هش لا يحتاج منك سوى أن تحظى بمسمى مجانا كأديب ومفكر ومستنير، وهي أوصاف يمكن استغلالها بكل سهولة تجاريا وحزبيا.
أخيرا، سئل العلامة بكر أبو زيد رحــــمه الله عن مصطلح «الفكر الإسلامي» فقال:أما الفكر فهو قابل للطرح والمناقشة، قد يصح وقد لا يصح، لهذا فلا يجوز أن يطلق عليه «فكر»، لأن التفكير من خصائص المخلوقين، والفكر يقبل الصواب والخطأ، والشريعة معصومة من الخطأ، ولا يقال كذلك «المفكر الإسلامي»، لأن العالم الذي له رتبة الاجتهاد والنظر مقيد بحدود الشرع المطهر فليس له أن يفكر فيشرع، وإنما عليه البحث وسلوك طريق الاجتهاد الشرعي لاستنباط الحكم، وقال سماحة الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله في أحد مجالسه «العلم يجمع والفكر يفرق».
[email protected]