لا يختلف اثنان أن الحروب قائمة على السيادة الاقتصادية، والاستيلاء على مقدرات الشعوب، فلا حروب بلا سلاح، ولا حروب بلا غذاء، ولا حروب بلا استعدادات ومخازن وعتاد ووسائل نقل ومخيمات ومساكن وعيادات وإعلام وإمدادات وغير ذلك مما يطلق عليها خدمات لوجستية، وهذه بحد ذاتها أصبحت علما يدرس في الأكاديميات العسكرية.
ومقابل كل خدمة ينشط تاجر، فهناك تاجر السلاح، المعلن والخفي، والمسموح والمخالف، وهناك تجار الأغذية، وتجار المقاولات، وتجار النقل، وتجار الخيام والبطانيات والملابس والأدوية والأجهزة بأنواعها، وغير ذلك من الاختصاصات.
وبالتالي.. فالحروب والتجار اسمان لا ينفصلان، وجسمان لا ينقسمان. ودعك من قضية الجانب الإنساني، ويجوز أو لا يجوز، فتاجر الحرب يعمل بمليار دولار بصمت، ويتبرع بمليون دولار للأعمال الخيرية، ويدفع مثلها للدعاية الإعلامية لها!
ويجري الأمر على الكوارث البيئية، من زلازل وفيضانات وحرائق ومجاعات، حقيقية ومفتعلة، حيث ينشط فيها تجار الكوارث، الذين هم أنفسهم تجار الحروب.
وبكل الأحوال.. في الحروب والكوارث يكون الإنسان البسيط هو الضحية.
وأمام ذلك كله، تنشط المؤسسات الإنسانية في العالم للحفاظ على «الإنسان» الذي انتهى معناه مع كل رصاصة، ويغامر هؤلاء الإنسانيون بأنفسهم من أجل إنقاذ البشر، دون النظر إلى دين أو عرق أو جنس، فالإنسان هو الإنسان.
ويستغل بعض تجار الحروب والكوارث الوضع بعدم الالتزام بالمعايير الدولية للمواد التي يبيعها، كأن يبيع أغذية منتهية الصلاحية، ويتبرع بنصفها موهمهم بأنهم حصلوا على نصف السعر، وللحاجة الماسة، وضيق الوقت، ولعدم وجود جهات رقابية، يتم تسليمها للضحايا، ضحايا الحرب، وضحايا التجار!
ومن غرائب تجار الحروب الخداع الطبي، حيث تتفق بعض المؤسسات الإنسانية مع مشافي محلية لعلاج المصابين والجرحى والمرضى بقيمة محددة، ولا توجد رقابة تتأكد من صحة العلاج وقيمته.
والأدهى من ذلك – على سبيل المثال - عندما يقول الطبيب للجريح إن القيمة المحددة للعلاج لا تكفي لعلاج قدمه التي تحتاج لوقت طويل وكلفة مالية كبيرة، مع اليأس من علاجها، والأفضل بترها، فيستسلم المصاب، ويتم بتر قدمه. لم تنته المأساة بعد، حيث ينشط هنا تجار الأعضاء الحية، فيتم بيع القدم لهم! ثم ينشط تجار الأعضاء البديلة لتركيب قدم بديلة للمصاب!
وهكذا هم تجار الحروب والكوارث بلا رحمة ولا هوادة ولا إنسانية!!
وحتى لا تقف المؤسسات الإنسانية أمامهم، تتم تصفية بعضهم بين الحين والآخر، بحجج أنهم عصابات وإرهابيون، وينشط قطاع الطرق مع أولئك التجار!
ولحماية الضحايا من مجرمي الحروب وتجارها، ولمراقبة دقة تنفيذ المشاريع الخيرية بأنواعها، لابد من إيجاد مؤسسات قياس الأداء لتقييم الإنجاز ومراقبته، من خلال مختصين ميدانيين، على أن تكون معتمدة لدى الأمم المتحدة والهلال الأحمر والصليب الأحمر، أو على الأقل لدى سفارة الدول مقدمة المساعدة.
ومن هذه المؤسسات التي بادرت بهذا العمل سكوب للرقابة والتقييم والتنمية، التي وضعت معايير أداء ورقابة مباشرة بنظام (2B2)، ووقعت عقودا مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.
وجميل لو بادرت وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الخارجية والجمعيات الخيرية بتدارس هذه الفكرة، فكما حرصوا على تقييم الإدارة بنظام الجودة، فليحرصوا على تقييم التنفيذ، من أجل حماية العمل الخيري من تجار الحروب.
وأسأل الله أن يحفظكم يا رجال ونساء العمل الخيري من كل سوء، وأن يبارك لكم في صحتكم وعافيتكم ومالكم وأهليكم.