فيصل الزامل
سألني والدي وقـد بلغ الثمانين: «يـا ولدي هالاستجـوابات اللي تحصل ويتبعها طرح ثقة، ويسبـقها تعريض بالوزير في شأنه العام والخاص، ألا تحتاج موازنة؟» قلت: «كيف؟».
قال: «إذا صح الاتهام، وقبله المجلس، يخرج الوزير، خاصة إذا نجح طرح الثـقة به، بل ويحـاسب حتى بعـد خروجـه إذا اشتـمل الأمر على مـا يمس أمانته، وإذا لم ينجح طرح الثقة، ونـال الوزير البراءة، فان العـدالة تقضي بأن يتـحمـل العشـرة الذين اتهـموه وطـلبوا طرح الثـقـة، مسـؤوليـاتهم ويخرجوا هم من المجلس، ويتم انتخاب بديل عنهم، وبغير ذلك فالمسألة غير متـوازنة، اتهامات قـاسية إذا لم تضـر المتهم وتدينه، فإنها لا ترتد على من أطلقها مما يشجع على التمادي في أذية الشرفاء» قلت له: «اتفق معك»، قال: «وتنشره؟» قلت: «حـاضر، خاصة انه يتفـق مع ما فعله أمير المـؤمنين عمر حينمـا اتهم أربعة أشخاص رجلا بالزنا، وعند أداء الشـهادة أمام الخليـفة شـهد ثـلاثة وتراجع الرابع، فـبطل الاتهـام، وأراد الأربعة مـغـادرة المكان، فـسمح عـمر لواحـد وأقام على الثلاثة الآخـرين حـد القذف، وذلك صـونا لأعراض الناس من التساهل في اتهامهم» (انتهى).
إن عدم التوازن الذي أشار إليه والدي ـ أطال الله عمره ومتعـه بالصحة والعافـية ـ جعل التـهديد بالاستجـواب مادة إفطار الصبـاح اليوميـة لهذا الشعب المبتلى بهذه الممارسة، فإذا صدر من احد أفراد الطرف الآخر تلميح لا يمثل فـيه إلا نفـسه أصيب البـعض بالتشنـج وتحشـرج صوته، وعليـه، فالبوابة مشرعة لطرف يهدد كل صباح، ومغلقة بإحكام للطرف الآخر!
هذا الوضع غيـر متوازن تماما، إذ كـيف يكون الوزير والقاضي ممنوعين من ممارسة أعمال تجارية، وحتى غير تجارية، لتـبقى حياديتهمـا مصانة ومضـمونة، ونطمـئن إلى عدم تعـارض المصالح، بحكم تـوليهمـا سلطات مؤثرة في القـرار، ولا ينطبق ذلك على النائب في مجلس الأمة، فـيحق له أن يدخل في المنـاقـصـات وان يرأس الشـركـات، وان يـخـاطب الوزراء، تارة كمـراقب دستوري يملك حق اسـتجوابهم، وتارة كـعميل تجـاري ينتفع من صلاحـياتـهم وقدرتهم على الاسـتثناء، وإيجاد مخـارج (. . . ) للنائب، والا صدرت التهديدات بالاستجواب؟!
نعم، الانتفاع وجد طريقه إلى أكثرية النواب، سواء ترأسوا شركات أم لا، ولكن الصورة الصـارخة في الشركـات هي المدخل الملموس لملاحقـة الصور الأخرى الخفية للانتفاع بتلك الصلاحيات.
انه المنطق، إنها العدالة، لا يجـوز أن تقطف زهرة شباب الكويت ممن تولى مهام الوزارة بغير جرم، في استعراضـات ممجوجة على تشعب أمور يحتملها أداء العـمل بإخلاص، وبالـذات مع تشعب أنشطة الوزارة حتى صـار الوزير يحاسب أحيانا بلا معيار وبلا مـقياس رادع، وفي حفـلات ظالمة، وأما النائب فانه يصدم حائط العدالة والمنطق ويهدمه، وينزل من سيارته وهو يضحك!
أليس هذا نوعا من العبث؟