دخلت بريطانيا الى الهند عبر بوابة كسل ملك الهند المغولي عام 1660، الذي اعتمد كليا على خدمات شركة الهند الشرقية، ليس فقط في نقل البضائع من وإلى الهند عبر ميناء كلكتا، ولكن في شق الطرق وبناء الجسور لعبور الأنهار والسدود لخفض اندفاعها.. الخ، ومن فرط إعجاب الملك بمدير الشركة الانجليزي أنعم عليه بلقب «نائب ملك الهند» viceroy and governor - general of india وبمرور الوقت استعمرت بريطانيا الهند لمدة 150 سنة، الكسل نفسه عاشته الإمبراطورية اليونانية والرومانية التي كانت تمتد إلى كامل مساحة تركيا وسورية والأردن وفلسطين، إلا أن هجرة الأتراك من وسط آسيا الى تلك الإمبراطورية ونشاطهم المحموم في أداء الأعمال أوصلاهم إلى السيطرة على الجزء الشرقي الواقع في آسيا، ثم عبروا إلى الجزء الأوروبي، وقد بلغ الكسل بقيصر القسطنطينية أن طلب من سلطان الترك أن يرسل إليه عمالة ماهرة لإصلاح كنيسة آيا صوفيا، فأرسل إليه مهندسا اسمه علي النجار الذي قام بعمله خير قيام، ثم قام ببناء سلم يوصل إلى سطح الكنيسة لاستخدامات الصيانة، فلما رجع الى السلطان التركي قال له: «أصلحت الكنيسة، وبنيت سلما يسهل وصول المؤذن إلى السطح وصليت تحت السلم، وقد انتهى عملي، أنت السلطان، الآن يبدأ عملك».
هذا الموضوع يتكرر مع كل أمة تعتمد على غيرها لأداء الأعمال الأساسية، فالولايات المتحدة اعتمدت على نقل الأفارقة ومع مرور الوقت صار لهم نفس الحق في المواطنة، واليوم هي تعتمد على أميركا اللاتينية مع فارق هام بين الاثنين أن الأفارقة الأميركيين صاروا جزءا رئيسيا من مكون الهوية الوطنية الأميركية ولا يعرفون غيرها، في حين يرتبط اللاتين بأميركا الجنوبية ويرفضون حتى تعلم اللغة الانجليزية، الأمر الذي قطع الصلة الثقافية بين اللاتين الذين يشكلون ثلث سكان البلاد وبقية شرائح المجتمع الأميركي.
إن الكسل والاعتماد على العمالة المستوردة هو البداية لنهاية أكبر الحضارات، مثلما حدث في الأمثلة السابقة، وما لم تمارس الدولة سياسة واعية مثلما تفعل سلطنة عمان لتزيح الكسل جانبا وتضرب أمثلة رائعة على تنفيذ الأعمال الأساسية بأيدي المواطنين فإن الفاتورة المالية - التحويلات – هي الجانب الظاهر فقط من جبل الجليد، والخافي أعظم بكثير، وعنوانه المخيف هو «حضارات سادت ثم بادت».
كلمة أخيرة: قال وزير العمل البحريني، د.مجيد العلوي: «إن المنطقة مقبلة على كارثة أخطر من القنبلة النووية ومن أي هجوم إسرائيلي، إننا نواجه تغيير كيان الخليج نحو هوية غالبها آسيوي الطابع، يديرها لوبي خاص بها سواء في المعاملات المالية أو المخالفات السلوكية، وقد حاول وزراء العمل اتخاذ إجراءات للموازنة بين العمالة الوافدة والوطنية إلا أن قطاع الأعمال قاوم تلك المحاولة بغير اكتراث للنتائج الناشئة عن وجود 17 مليون عامل يحولون سنويا 60 مليار دولا، هذا الرقم يتجه خلال السنوات العشر القادمة إلى 30 مليون عامل».. ثم يختم تصريحه قائلا «لا يمكن لهذه المنطقة أن تحافظ على هويتها العربية والإسلامية، ولا يمكن معالجة مسائل البطالة بين المواطنين ما لم يتم التصدي لهذه المسألة بجدية كاملة وتعاون وثيق بين القطاعين العام والخاص».
[email protected]