فيصل الزامل
في المعـاملات الماليـة كمـا في السـاحة الفكرية، تجـد من يختلس ويزور ويأكل حقوق الآخرين، وفي دنيا «الاختلاس» أو ـ بعبـارة مخفـفة تجمل الاخـتلاس ـ «الخلافـات المالية» (. . . ) فـإنك تجـد نوعين من الناس، شـخـصـا يخـتلس مـال الآخرين، ويـدخل في جيبـه الألف أو المليون بـالحرام، وهو يعلل لنفسـه ويقنعها بما شاء، وشـخصا آخر يعمـل موظفا لدى جهة، ويفعل الشيء نفسه، مع فارق أن الأول قد استفاد، تجاوزا، وربما علل لنفسه بأنه سيـتصدق، وكما يقولون في مصر «التوبة بعـد هبش أول مليون! ». . أما الشخص الموظف فإنـه يختلس لصـالح غيـره، ويحاسب هو، وربما اسـتفـاد صاحب المال، أو المؤسـسة التي يعمل فيهـا هذا الشخص ولم يعلم بما فـعل الموظف، فذمـته بريئـة وجيبـه ممتلئ، وذاك المسكين ذمتـه محملة بالأوزار، وجيـبه شبه فـارغ أو حصل على الفتات، ويتحمل الحساب كله!
في دنيا الفكر شيء مشابه، فهناك مدارس واتجاهات، فيها زعامات تقـود، و«كم» من الأتباع يهتفون بمـا يقوله الزعيم، فإذا كان هذا الزعيم قد حقق ذاته، وبنى لنفسه مجدا ولو على حـساب خـراب الوطن، فـإن أولئك «الهتـيـفة» قـد شاركـوا بالتـدمـير ثـم ذهب كل منهم إلى منزله وهو شـبـه نكرة، لا يعرف له أحد حقا ولا وزنا، وإذا دارت دورة الزمن ونضجت العقول، وانتشر التذمر من تلك الحقبة، فإذا به يقول: «والله كنا احنا اللي شايـلينه على أكتافنا» فـتلاحقـه كلمات اللوم وهو يقول: «شنسوي بعـد، الدنيا كلها كانت مـعاه، مو بس احنا»!
إن الذي يسلم من هذا المصير، سواء في المعاملات المالية أو الفكرية هو من يحترم ذاته، وأهله وأسرته واسمه، هذا إن لم يكن خـوف الله عز وجل نصـب عينيـه. انه إذا احتـرم ذاته، وشعر بالاستـقلالية، فإن اختطاف ذمته ومصـداقيته يكون أمرا بالغ الصعوبة، واقرب إلى الاستحالة.
سمعت جدي ـ يرحمـه الله ـ يقول ذات يوم: «أراد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أن يولي في المناصب، فاستشار وزيره فـيمـن يوليه، فـقـال الوزير: يا أمـيـر المؤمنين أهل الدين لا يريدون المناصب، وأهل الدنيا أنت لا تريدهم.
قال عمر: فمن استعمل إذن؟! قال الوزيـر: استعـمل أهل الشرف، من لا يرضـى أن يقال «إن فلانا ابن فلان قـد سرق» يرحم الله عمر بن عـبدالعزيز، ومن علمني علم زمانه.