فيصل الزامل
ما يحدث في تـركيا هو التالي: إذا كانت زوجـة الرئيس القادم هي «فـلانة» غـير المحـجـبـة، مثـل زوجة وزير الدفـاع «وجـدي غونـول»، فلا بأس والجيـش لن يعتـرض، أما إذا كانت «فـلانة» المحجـبة هي زوجـة الرئيس القادم، فـإن الجيش المصنـف دوليا «الثامن» على مسـتوى العالم والمجهز بقـوة تكفي لخوض حربين في آن واحد، هذا الجـيش سيتـدخل بقوة، حـتى لا تدخل «فلانة» القصر الرئاسي!
لم تنفع الإيضاحات ولا الأيمان المغلظة بالمحافظة على النظام العلمـاني، وان فلانة وفـلانة تملكان حرية الاخـتيـار بين ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه، وان امتـداد ذلك إلى تصرفات أخرى ذات طابع إسلامي، كـما يحذر المتـطرفون في الجيش، هو أمـر خاضع لقرارات الهـيئات المختصة في الدولة، ولا يـتم بأسلوب الموضة، التي إن حدثت في الشارع فلا سلطان لأحد عليها.
كل ذلك لم ينفع، بل حـتى تحـذير الاتحـاد الأوروبي من تدخل الجيش في العمل السياسي الذي يعـيد تركيا إلى الوراء في سجل الديموقـراطيـة، أكـثر من ذلك، فـالحـزب الشـعـبي الجمـهـوري المعارض والذي كان أول من دعا الجيش إلى التدخل، قد أدرك فيما بعد خطورة هذه الخطوة فأصدر بيانـا يحث فيه الجميع على حل هذه المسألة في الإطار السياسي، وانه لا مكان للقوة العسكرية في هذا الموضوع، بعد أن لمس انفتاح شهية العسكر بشكل مريب، بعد تصريح الـرئيس السابق ـ في عـام 1980 ـ كنعان ايفـيرين، الذي قال فـيه: «عـلى الجيش أن يتـدخل» وهو الذي قاد في ذلك العـام انقلابا ترأس بموجبه تركيا وأخضعها للحكم العسكري، وهو ما لا يريد العودة إليه أحد من السياسيين في تركيا، على الإطلاق.
ما لـم ينتبـه إليه المتطرفـون من العكسر ان تـركيا قـد حقـقت إنجازا لم يتحقق لأحد في العالم الإسلامي قط، في وارد المصالحة بين العلمـانية والمشـروع الإسلامـي، وتحقق توافق يعـتمـد على انفـتاح كل طرف على الحـد الأدنى للقـاء مع الطرف الآخر، بينمـا تسود العالم الإسلامي نظرية «الكل أو لا شيء»!
أكـثـر من ذلك، انـدمج الجـيل الجـديد الذي نشــأ في تركـيـا العلمـانيـة ـ وهو يحـمل الـطمـوح الإسلامـي ـ اندمج في الدولة الكمـالية ولم يـفكر في الانقلاب عليـهـا، بينما انـقلبت المؤسسـة العسكرية على هذه الدولة أربع مرات!
اندماج الجيل الجديد في المؤسسـات العامة والخاصة، والعمل بعقلية عـصرية جدا، لفت أنظار الغرب قـبل الشرق، وكان رئيس الوزراء «اردوغـان» هو أول رئيس حكومـة تـركي يزور «أثينا»، منذ نصف قرن تقريبـا في عبور كبير للعقـدة اليونانية، والمنتظر ان يحقق هذا الأسلوب عبورا ثانيا فـي العقدة الأرمنية، وثالثا في الكردية.
من المسـتفـيد من إعادة تركيـا إلى النزعة الشـوفينـية الضيقة، بعد أن تغيرت أوروبا وآسيا، والدنيا كلها؟!