حدد صاحب السمو الأمير، حفظه الله، في لقائه الصحافي مع صحيفة ألمانية نقاط الخلل في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حينما انهار مبدأ الفصل بين السلطات سواء كان ذلك برضاء الحكومة أو رغما عنها، ما يجعل كلمة صاحب السمو الأمير تحمل المضامين التالية:
1- ضرورة الرجوع الى المبادئ السامية التي قام عليها العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم في دستور 1962 فيما يتعلق بالفصل بين السلطات.
2- الكف عن الالتفاف على تلك المبادئ من نافذة التشريعات التي صارت تنافس القرارات الوزارية، وهي التي تتولى فعليا إدارة زمام العمل اليومي في البلاد.
3- تمكين الخطة الإنمائية من بلوغ أهدافها يتطلب أدوات تنفيذية ليست في يد الحكومة، الأمر الذي يجعل الموافقة على الخطة مرتبطا بالقدرة السياسية على الحركة، وهو ما لم تسمح به أطراف في البرلمان لاتزال تصر على أسلوب المشاغلة وتشتيت التركيز بافتعال قضايا ـ مثل اللوحات الإعلانية ـ ينشغل بها الناس لأسابيع عديدة تتبدد بعدها لعدم وجود أساس حقيقي لها، ما يؤدي الى تبديد طاقات العمل.
لقد جاء إطلاق صاحب السمو الأمير لهذه الملاحظة حول «الجمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني» من ألمانيا ليذكر بتأثير التشريعات والنظم الدستورية التي تختلف في ألمانيا عنها في فرنسا، ونحن في الكويت ومصر من أتباع المدرسة «الفرنسية» في التشريع المدني، ولو استخدمنا مقاييس الأداء لمعرفة تأثير التشريعات على سرعة حركة الدولة بين هاتين الدولتين الأوروبيتين، لتوصلنا الى أننا أضعنا وقتا طويلا في المدرسة الفرانكفونية بينما تتبع ألمانيا أفضل النظم في أوروبا على الإطلاق إداريا واقتصاديا وسياسيا، في حين تشتهر فرنسا ـ الى جانب برج ايفل ـ بالإضرابات اليومية لسائر القطاعات المهنية بلا استثناء، وقد انتقلت تلك العدوى الى الدول الأفريقية الواقعة في فلكها، ونحن في الكويت قد وصلنا الى هذه النتيجة عبر مسلسل المطالبة بزيادة الرواتب لمختلف الكوادر الوظيفية، الأمر الذي يستحق وقفة من الفقهاء القانونيين والخبراء الدستوريين في أي تعديل جوهري للدستور يأخذ في الاعتبار ما وصلت اليه مثل هذه الدول من تعثر أو تقدم.
من جانب آخر، يجب أن يتجاوز الإصلاح السياسي التعديلات في النصوص الى التغيير في «الشخوص»، ما يعني ضرورة توسعة دائرة الاختيار في منصب رئاسة الوزارة بما يتلاءم مع الممارسة ونتائج التطبيق، ويحدث فورة حماسية في الأداء بعيدا عن الاستحقاقات التي يحدثها استرضاء الشارع السياسي كون الرئيس من أبناء الأسرة، لابد من الفصل بين «التأهيل لمسند الامارة» وأي حسابات مماثلة وبين قوة الأداء، ففي الشركات والبنوك يهتم المساهمون بتوفير الشخص الذي يحقق أفضل النتائج، بغير اشتراط أن يكون ابنا لهذا المساهم أو قريبا لذاك.
كلمة أخيرة:
سبق لصاحب السمو الأمير، حفظه الله، أن جمع بين السلطة التشريعية والسلطة الرابعة في تمنياته عليهما بالتعاون مع «التنفيذية» في تحقيق ما يدفع بمسيرة الدولة، نتمنى ألا ينسى ملاك الصحف هذا التوجيه، فالتنمية الشاملة مفيدة لهم وللوطن، وليس من الصالح إبطاء مسيرتها من أجل الترويج لصحيفة!
[email protected]