قال لي صاحب فندق في الكويت قبل سنوات «كنت أفاوض شركة سجاد على سعر المتر وأحاول تخفيضه فقال لي: والله إنت مآخذه بأقل من نص سعرنا لمجمع الوزارات»... نعم، أسعار مشاريع الدولة تنفذ بضعف التكلفة ولم يؤثر موضوع المناقصات في هذه الحقيقة كون المتقدمين الى الجهات الحكومية يتحركون في معدلات متقاربة، والسبب الرئيسي هو اعتماد الدولة على الصرف من الميزانية وعدم أخذ مبدأ تكلفة المال في الحسبان، ناهيك عن بقية عناصر التكلفة.
الحديث الدائر اليوم عن كيفية تمويل مشاريع الخطة التنموية يأتي في ظل عدم تعود الأجهزة الحكومية على هذا الأسلوب الذي طبق في حالات نادرة ـ الصرف الصحي، الصليبية ـ حينها تم إدخال جهات استشارية للتأكد من سلامة النموذج المالي والفني، وسارت الأمور على ما يرام، هذا الأسلوب يحقق النتائج التالية:
- ـ ترشيد استخدام مداخيل الدولة، حيث يمكنها توظيف جزء كبير من فائض السيولة لديها بعائد أعلى من عائد التمويل.
- ـ ترشيد تكاليف تنفيذ المشروعات.
- ـ زيادة حجم الرقابة على التنفيذ بوجود أطراف التمويل، وأحيانا الملكية بالنسبة للمشاريع المشتركة.
- ـ توجيه السيولة المتكدسة في البنوك في الاتجاه الصحيح وخفض الضغوط التضخمية بسبب الاستثمار المضاربي الناتج عن قلة فرص الاستثمار.
للتوضيح، نفذت الأمانة العامة للأوقاف برج السلام بتمويل تنموي تكلفته 5% ووجهت أموالها المفترض استخدامها لبناء البرج ـ 17 مليون دولار ـ لاستثماراتها التي كانت تدر عليها أكثر من %12 وهو تصرف سليم حقق لها بالإضافة الى العائد، التنفيذ الجيد وفي الموعد المحدد، وتملكت برجا وفق صيغة المشاركة المتناقصة، بغير استخدام لسيولتها النقدية، وهو يدر عليها الآن دخلا مجزيا غطى حتى الآن ثلثي تكلفة البناء مع حصولها على عوائد كبيرة حتى أثناء فترة السداد.
صيغ التمويل الآمن كثيرة وهي لم تترك مجالا من مجالات التنمية إلا وتعاملت معه بشكل متوازن لا يعتمد على الفرضيات الطائشة التي رأيناها في سوق الأسهم (اشتر شركة بالتمويل برهن أسهمها وأدرجها وضاعف أرباحك) هذا الأسلوب المدر يختلف عن «تمويل المشروعات الحكومية» الذي حقق لتركيا نهضتها الاقتصادية ونقل عددا من دول وسط آسيا خلال 15 سنة فقط من الحالة السوفيتية المتخلفة الى وضع مختلف تماما يعرفه من زارهم في الفترة السابقة والحالية.
إن الانطلاقة الحالية في الكويت تحظى بتوافق سياسي قلّ أن نراه، وبمجرد اجتياز منعطف «أسلوب التمويل وآلياته» فإن الكويت ستضع قدمها على الطريق للانتقال الى عصر جديد ستكون له انعكاسات اجتماعية وإدارية لا حصر لها، بإذن الله، سيروا على بركة الله.
كلمة أخيرة:
حرص صاحب السمو الأمير ـ حفظه الله ـ على التواصل المباشر مع المواطنين في كل المناسبات وبالذات في شهر رمضان، هو محل تقدير كبير لدى الناس، والمرجو ألا يمثل ذلك إرهاقا له، وأن يتم تطوير أسلوب جديد يتلاءم مع حجم البلاد الذي يختلف عما كان عليه الحال في الماضي، حفظه الله والقيادة السياسية في البلاد، ووفقه سبحانه لما يحبه ويرضاه.
[email protected]