جاء رجل من البادية الى السوق في الكويت في بدايات القرن الماضي ومعه سلاحه (بندقية) واتجه الى صاحب أحد المحلات وطلب منه أن يترك البندقية عنده حتى ينتهي من التسوق ثم يعود ليأخذها. يقول صاحب المحل وضعتها بجانبي ومر النهار وأنا مشغول بعملي، ولفت نظري كثرة سؤال المارة عن هذه البندقية، وهل هي للبيع وكنت أقول «لا، ليست لي» فلما جاء الرجل وأخذها فكرت في شراء عدد من البنادق وعرضها في المحل فتم بيعها بسرعة، وهكذا دخلت في تجارة السلاح ودخل غيري، كان ربحها أكبر من المواد الغذائية وبقية البضائع وصرنا نبيع بالجملة في تجارة الاستيراد من الهند وإعادة التصدير للبادية شمالا وجنوبا وكان من أسباب النجاح الظروف الأمنية التي كانت سائدة التي ازداد فيها الطلب على السلاح، وأيضا موقع الكويت الذي بسببه نشأ الميناء وصارت هي حلقة وصل لنقل ما تجلبه السفن من الهند وأفريقيا إلى منطقة الجزيرة والشام وبعضها إلى أوروبا عبر ميناء حلب في سورية فيما كان يسمى «تجارة المسابلة» و سميت لاحقا «الترانزيت» و«إعادة التصدير»، هذه الميزة لاتزال قائمة.
الكويت ليست مهيأة لتكون بلدا للصناعات الثقيلة ولا للزراعة الكثيفة بقدر ما هي ممر طبيعي للتجارة الدولية، وهذه الميزة هي التي لفتت انتباه الألمان إلى هذا البلد في عام 1899 وطلبوا السماح بإقامة محطة لقطار الشرق القادم من برلين الى اسطنبول لينتهي في الكويت ومنها الى الهند وأفريقيا، ويومها رفضت الكويت لارتباطها باتفاقية مع الإنجليز، الذين كانوا في حالة تنافسية مع الألمان، اليوم تغيرت الأوضاع، ما يجعل مشروع ميناء بوبيان والمرافق التابعة من محطة سكة حديد ومطار لوجستي.. الخ، حركة تصحيحية للمسار الذي أخذته الكويت بسبب تدفق النفط الذي اعتبرناه المصدر الوحيد لدخلنا.
تذكرت هذه المسألة عندما حذر أحد النواب من ان «الحكومة لن تدفع لكم الرواتب».. وإن كان مقصوده هو الطريقة المعروفة في المناكفة السياسية، إلا أنه بغير قصد داس على اللغم وفجّر الشعور الكاذب باستمرار قدرة الحكومة على دفع المرتبات، نعم، هذا اليوم قادم لا محالة في ظل أحادية مصدر دخل الدولة وشراهة الصرف وتدفق الملايين من البشر على هذا البلد بغير توازن مع الخدمات التي تبنى لمليون نسمة ولكن يستخدمها 3 ملايين نسمة، هذا الخلل الهيكلي أمامه فرصة واحدة فقط للتصحيح إذا ما حققت الكويت في الـ 20 سنة المقبلة طموحها لتكون مركزا تجاريا دوليا يستثمر في أي شيء له علاقة بهذا القطاع سواء كان في الصين والهند أو أوروبا والشرق الأوسط، ويجعل الكويت هي المركز لإدارة حركة عالمية تخدم المصدرين ليس في منطقتنا فقط بل حتى من البرازيل الى تشيلي، ومن روسيا الى پولندا، فضلا عن المرور عبر الكويت، ومن لا يتصور ذلك فعليه أن يتذكر أن متابعة حركة الحقائب لغالبية شركات الطيران العالمية تدار من الهند عبر برامج الحاسب الآلي، هذا الإنجاز يتطلب استثمارا مدروسا يدعم بعضه بعضا، ويختار القطاعات المتفاوتة (سواء النشطة على الدوام، أو التي تتقلب بين دورات ركود ونشاط).
انه مسار وحيد، اذا لم نسلكه فسنورث للأجيال القادمة أزمة خانقة تجبرهم على الهجرة طلبا لفرص العمل، وعندها لن يذكروا هذا الجيل بالخير أبدا.
كلمة أخيرة: بث المسلسل الإيراني عن المسيح عليه السلام في لبنان ينقل هذا الموضوع من الحوار الديني الهادئ ـ وهو أمر جارٍ ـ الى التوظيف السياسي في بلد يجلس فوق برميل بارود لم يتوقف عن الانفجار منذ عقود، الحكمة تقتضي العمل بمقولة «لكل مقام مقال».
[email protected]