بعد أن توفي والدهم المليونير بسنوات قال لهم أحد أقاربهم، من المسنين وله خبرة طويلة في الحياة: «كنت أعتقد أنكم انتو الورثة، طلع الوريث الحقيقي لأبوكم هم المحامين الذين استفادوا من خلافاتكم ويترافعون عن عشرات القضايا المرفوعة بينكم ويسحبون منكم فواتير بالملايين، ما عندكم وعي انتو إخوة وأخوات، حلال أبوكم صار منهوب وانتو السبب؟».
أجابه أحدهم «قول هالكلام حق فلانة وفلان – اخوتهم - احنا ما بدينا الحرب والبادي أظلم».
قال: « مثل هذا الكلام لا يوصل إلى شيء، عاندني واعاندك والمحامي يشفط، هذا مو كلام ناس عاقلين، المبالغ اللي اختلفتوا عليها راح كثرها مرتين وأكثر بين مصاريف قانونية وتراجع أسعار ممتلكاتكم، التاجر هو اللي يحسب صح وانتو كل كلامكم، والله أراويه، إذا ما كسرته أنا مو رجال، حتى لو أخسر كل شي، اسمحوا، لي هذا كلام اطفال» انتهى.
هذه المسألة تحولت من حادثة فردية الى سلوك منتشر في زماننا هذا، بعد أن انسحبت من الساحة فئة وسطاء الخير وتركتها لمحامين لا يهمهم دمار أسر بأكملها وتقطع وشائج إخوة وأخوات علما بأن المحامي يملك قدرة لا يملكها غيره في تقريب وجهات النظر إذا ما كان ممن يقولون «اللهم اغنني بحلالك عن حرامك وبك عمن سواك»، وآمن بأن الرزق المبارك لا يأتي من وراء هدم بيوت وتشتيت الأسر، في المقابل هناك أثرياء رتبوا علاقة أبنائهم قبل ان يغادروا الدنيا فجمعوا ما يملكونه كله في شركة يملك أسهمها ورثتهم بحسب الحصص الشرعية لكل ابن وابنة ما أدى الى تقليل فرص الخلاف الذي إذا حدث فإن معالجته تكون ميسورة بالنظر الى معلومية قيمة الحصة في تلك الشركة وسهولة بيعها لمن يرغب، وفوق ذلك قام هذا البعض بتخصيص مبلغ للأعمال الخيرية وتخير للإشراف عليها نخبة من أصحاب السجل الأبيض في هذا المجال وجمع أبناءه وبناته مع هؤلاء وأعلمهم بما ينبغي عليهم عمله مع الجزء الذي خصصه ودور هؤلاء الأفاضل في إدارته وفق تعليماته ووصاياه.
ترى، هل يستوي هذا مع من تفرقت ثروته بين المحامين وغيرهم؟
اذكر أنني التقيت رجل أعمال لبنانيا ناجحا في دبي أخذني في جولة بين مكاتبه الكثيرة وكان مجال عمله في البطاقات الذكية ولم يخف حياته الخاصة عني أثناء تلك الجولة، فسألته: «هذه الثروة ما مصيرها بعدك وانت لم تتزوج بعد وتعيش هذه الحياة الصاخبة؟».
فقال «بكير على هالحكي» وافترقنا، ثم بعد ستة أشهر تلقيت اتصالا من صديق مشترك حضر تلك المحادثة، وهو من مصر ولكنه هاجر الى أميركا عام 1970 ولم يتغير من لهجته المصرية شيء بعد أربعة عقود هناك، كلمني بصوت مرتفع عبر السماعة «انت فاكر فلان؟».
قلت «نعم، ماله؟».
قال «مش جاله صداع في الراس وكنت أنا عنده في دبي بعدين ابتدأ ينسى هو فين وجاي منين، عمل أشعة تبين عنده ورم في المخ، رحت معاه المستشفى الأميركاني في بيروت وبعدين رحنا مايو كلينك أميركا، وهناك قالوا له باقي لك شهرين على الأكثر، بقا هو يعيط وانا بأعيط معاه ودلوقت رجع لبنان». سكت قليلا ثم قال بالطريقة المصرية «دي يا فيصل، خطبة جمعة لعشر سنين».
كلمة أخيرة:
تنبع أهمية موضوع الشركات العائلية وخطورة انهيارها فيما تمثله من نسبة كبيرة من الدخل القومي للعديد من الدول – في السعودية تشكل 25% من الناتج القومي - وهي توفر وظائف ودخلا للآلاف من الأسر، ما يجعل مسؤولية استقرارها أكبر من «شغل العناد»، وهذا يحتاج الى نوعية جيدة من المحامين تفرق بين الرزق المبارك، وغيره!
[email protected]