فيصل الزامل
في طريق التقرب الى الله عز وجل تاه كثير من البشر، حتى اعتبر بعضهم ان عبادة الاصنام درب من الدروب الى الله (ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى)، وسنتوقف اليوم عند احدى تلك المتاهات، وهي صفة التفاضل بدلا من التكامل.
لقد أهلكت هذه الصفة فريقا من اليهود والنصارى (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء، وهم يتلون الكتاب).
في المجتمع الإسلامي يستخدم البعض حديث الفرقة الناجية لتزكية النفس والملاججة، وربما الحط من قدر منافسيهم في العمل الإسلامي، الذي حث القرآن على التنافس فيه، من جهة التكامل، لا التفاضل «كلكم على ثغر، فلا نؤتين من قبلك».
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «أقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا»، ان هذه الخصلة العجيبة هي التي حازت حب الله عز وجل لها، وفاقت سائر العبادات مكانة وقدرا «ما تُعبِّد الله بشيء أحب اليه من حسن الخلق»، وهو أمر يعيش مع المرء في كل لحظة، يصحبك وانت في العمل، وحينما تقود سيارتك فتسمح لمن ضاقت به الطريق بأن يمر من جانبك، وعندك سعة، وفي باطن عقلك نية «اني اتعبد الله بالسماح له بالمرور»، واذا صاحبك هذا السلوك في الصغير والكبير من الصنائع، كإغاثة ملهوف وتفريج كربة عن مكروب، يتبعها اكرام من ضاقت به الدنيا، وعدد لا حصر له من فرص التقرب الى الله بحسن الخلق، تجده مع كل حركة تخطوها، تصحبك تلك النية الكبيرة، فإنك تقترب، وتقترب، وتقترب من الحضرة الربانية العظمى حتى تنال «ولايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل، حتى أكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها».
ان ضد هذه الصفة ذلك التعالي على عباد الله بزعم ان الآخرين «ليسوا على شيء» ان مثل هذا التعالي قد يدخل صاحبه في «الكبر غمط الناس وبطر الحق»، اي الحط من اقدارهم وحقوقهم المادية وغيرها، الأمر الذي قد يدخل المرء في دائرة الكبر، الذي قال الله عنه «الكبر ردائي فمن نازعني ردائي ادخلته النار ولا أبالي»، ان حديث «..وستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، يفسره قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ): «ثم يقال يا آدم قم فخذ بعث النار، فيخرج من كل مائة تسع وتسعون»، فسكت المسلمون لما سمعوا ذلك خوفا وفرقا، فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «اعملوا، فإنكم يومئذ كالشامة السوداء في الثور الأبيض»، وحينما سمعوا قوله تعالى: (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) تساءلوا عن حال امة الاسلام، وهي أمة آخر الأنبياء، فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «الأولون، والآخرون من أمة محمد» ( صلى الله عليه وسلم ).
ان التعالي بالعلم درب تيه ضاع فيه ابليس، الذي كان عالما تملكه غرور العلم، انظر الى جواب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للأعرابي الذي سمعه ومعاذا يدعوان الله بكلام بليغ، فقال «اني لا افقه دندنتك، ولا دندنة معاذ، ولكني اسأل الله الجنة، واستعيذ به من النار» فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «حولها ندندن يا اعرابي».
ان من يحتكر الحقيقة ستفاجئه الحقيقة الكبرى (قل كل يعمل على شاكلته، فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا).
وما لم ينتبه هؤلاء، ويدعوا اصدار الاحكام على الناس ولو بالتلميح فإنهم يجازفون بمواجهة الحديث الشريف «حدث ان رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان، وان الله تعالى قال: من ذا يتألّى علي، ألا اغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، واحبطت عملك».