يذكرني الوضع الحالي الذي يسعى فيه البعض الى تحويل المساءلة القانونية الموجهة نحو فعل محدد، وتطلبت تلك المساءلة رفع الحصانة لاستكمالها، ثم تحويل ذلك الى مساءلة من يطبق القانون، يذكرني هذا الوضع بما حدث للشاعر الكويتي عبدالعزيز العندليب، يرحمه الله، كان يركب الأتوبيس في القاهرة في نهاية عام 1967 في ظل أجواء ما بعد الحرب المشحونة بالعواطف، شعر العندليب بيد تتسلل إلى جيبه فأمسك بيد النشال الذي سارع الى تطويق عنق عبدالعزيز بيديه وصرخ بأعلى صوته «يا جماعة.. يهووودي» فاندفع الجميع نحوه وانهالوا عليه بالضرب وتوقفت السيارة وشارك المارة في حفلة الضرب مع بقية الركاب حتى أدموا وجه صاحبنا وأحدثوا به إصابات بليغة، بينما تسلل النشال مبتعدا وهو يضحك مسرورا.
اليوم نحن نقرأ عن مساءلة من يطبق القانون حيث اجتمع عليه ركاب البرلمان وشككوا بعض المارة في حقيقة الأمر، وخلطوا عليهم المسائل، فشاركوا بالضرب بينما يراقب المتسبب من بعيد ويضحك بشدة من سذاجتنا، هل يجوز أن يضعنا هذا في هذا الوضع السخيف؟ وهل يقبل أحد أن تتحول الديموقراطية من ملكية عامة إلى ملكية خاصة يستخدمها النشال لأغراض شخصية بحتة ؟ لماذا نسخر من الجمهوريات الثورية التي تحولت فعليا إلى وراثية ولا نتوقف عند ممارسات اختطفت المعنى الأصيل للديموقراطية وحولته إلى «شغل الفتونة» فيما رأيناه من محاولات اقتحام ديوانيات نواب لإرغامهم على اتخاذ موقف معين.
من جانب آخر، لا وجود للمعنى الحقيقي لكلمة «سرية» في جلسة يحضرها أكثر من 200 شخص (النواب والوزراء وموظفو المجلس وسكرتارية النواب.. الخ) واليوم وبعد أن رأينا ممارسات تهدف للضغط على النواب فقد تكشف واضحا المراد الحقيقي من توسيع وسائل الضغط داخل قاعة عبدالله السالم التي يجب أن تشبه قاعة المحكمة، لا سلطان على القاضي ـ النائب ـ إلا ضميره، ولا يجوز إصدار الأحكام تحت الضغط والتهديد الذي يمارسه البعض من منطلق نفعي بحت لا صلة له بالصالح العام، على نحو ما تم شرحه في مقالة الأسبوع الماضي.
كلمة أخيرة: عندما انتشرت أجواء الفتنة أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حدثت جلبة في المسجد وتكلم الناس، وأراد عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن يتحدث بكلام مفيد، الا أن الأجواء دفعته للالتفات الى من كان عن يمينه، وهو محمد بن مسلمة قائلا له «هممت أن أقول مقالة، ولكني علمت أن الركبان ستحملها عني بغير الذي قلت فكففت» فقال بن مسلمة، وهو من القادة العسكريين الشجعان «عصمت».
[email protected]