عرفنا التصنيفات الفئوية في الكويت منذ الطفولة، ولاتزال، ولكن كانت لها حدود بل وطعم المزاح مثل «أهل شرق أكالة الجموه» وهو سمك يعيش في الطين، كناية عن ارتباطهم الشديد بالبحر، و«أهل المرقاب أهل اللقاط» وهي بقايا الذبيحة كناية عن حبهم لأكل اللحم، وكذلك كلام من نوع (انتوا تسمون الأثل، أثل) بكسر الثاء.. الخ، وربما نشبت مشاجرات بين أبناء الأحياء فيما يشبه التدريب على العراك، وهو شيء غريزي في البشر، وحتى السباع في البرية تتدرب وتتهيأ للصراع قبل أن يحين وقته.
هذه المنابذة تسمعها بين أهل بريدة وعنيزة في السعودية وفي مصر بين «بحري وقبلي» وفي الشام يعلقون على أهل حمص «الروس الناشفة» وحتى في بريطانيا تسمع نكات الانجليز على الاسكتلنديين، وهكذا، واليوم تجدها في الكويت قد أخذت منحى التسييس واستعمال الفئوية كمدخل للتأليب على الدولة وانتقاص هيبتها وافتعال صراع مع بقية شرائح المجتمع المذهبية، هذا الانعطاف مدمر، ولا يجوز السكوت عليه، فالكل له احترامه، وبالتحديد قبيلة مطير التي تنتمي الى غطفان وهي من القبائل القحطانية، وتغير اسمها إلى مطير في فترة المد الديني بقيادة الامام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، حيث احتشد الناس من مختلف القبائل وراء قيادة قبلية تمثلت في الدوشان وهم أمراء مطير - غطفان – وحتى يتم تقديم الرابطة الدينية برز اسم «مطير» ومصدره «الناس تماطرت من كل صوب وراء دعوة التوحيد» وكانت قرية العوجة هي نقطة التجمع لهذا اللقاء الكبير الذي حمل اسم «مطير» التي ضمت مئات وألوفاً من قبائل شتى جاؤوا من أطراف الجزيرة العربية وجمعهم الاسم الجديد، وهو ابتكار رائع عالج برشاقة مشكلة العصبية القبلية في الدعوة الوليدة.
والتحالفات القبلية ليست جديدة في بلاد العرب، حيث تجتمع بطون كثيرة لمواجهة خطر الغزو وأيضا تبتكر اسماً جديداً مثل «ضفير» التي تضافرت لرد الغزاة وكذلك «شمر» التي شمرت عن سواعدها لنفس الغرض، وكلتاهما من قبائل الشمال.
أذكر أنني قرأت إعلانا للسيد محمد ضيف الله شرار بعد فوزه في الانتخابات الفرعية، قبل صدور قانون يمنعها، أنه وجه الشكر لأبناء «الميمون» وهم من مكونات قبيلة مطير، ومثل ذلك قرأته عن تكفل السيد هلال المطيري - بعد حرب الجهراء - بأسر وعائلات من قتل في تلك الحرب من الدياحين، وهم من «مطير» أيضا، إلا أنه في الحالتين اختلفت العلاقة الشرعية التي ترتب التزامات مادية وإرثاً وحق التنازل عن القصاص.. الخ، عن علاقة الحلف القبلي الذي يجمع بطوناً كثيرة من قبائل متعددة تحت اسم هذا الحلف.
هذه وتلك من مكونات المجتمع هي سبب لقوته وتنوع كفاءاته، مهما كانت الأسماء والخلفيات، فالكويت تفخر بهذا التنوع الذي جمع ما في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإنما تكون الحكمة في جعلها مكونات لسبيكة صلبة، آصرتها وطن ودولة يستظل بها الجميع ليومهم، وغدهم البعيد، بأمن وأمان.
[email protected]