فيصل الزامل
في قراءة بعض الاسلاميين لما حدث في تركيا يكون موضوع مصطفى كمال أتاتورك هو مركز المناقشة، لتقييم الفترة الكمالية وآثارها التي عاشتها وتعيشها تركيا، ومن متابعتي لهذا الموضوع أشعر بأن للجيل الجديد من الاتراك، سواء في حزب العدالة والتنمية، أو في عموم الشارع التركي، ميلا للنظر الى الامام، وترك التاريخ للتاريخ، فالانجازات أبلغ من المحاضرات، وهو أمر يحتاج اليه العرب في التعامل مع الفترة الناصرية - على سبيل المقارنة - فالاخوان المسلمون في مصر يحققون الكثير اذا نظروا الى الامام، ونجحوا في أي شيء سياسي أو اقتصادي، فالرصيد الكبير الذي يملكونه الآن قادم من عدم مرورهم بتجربة الحكم، وبالتالي فإن أي تجربة يخوضونها، يجب ألا ترتكز على النظر الى الوراء.
بعبارة أوضح، كما أن لأتاتورك معارضين فإن له مؤيدين، ومثل ذلك في حالة جمال عبدالناصر، والذي يحتاج الى جهود «الجميع» هو مواطن تعب من كل التجارب، وبصراحة لم يعد شعار «الاسلام هو الحل» يشعره بالاطمئنان، لأنه يحمل في طياته التفاتا الى الماضي، وتحميل أوزار الحاضر السيئ على ذلك الماضي، وهي محاكمة لا يستفيد منها المواطن، يجب أن تترك للتاريخ، وان يستأنف قطار الحياة مسيرته.
قد يقول قائل «مقارنة تركيا مع مصر غير سليمة، ففي مصر لا يسمحون للاخوان المسلمين بممارسة العمل السياسي»، وفي تقديري السبب يعود الى أزمة الثقة، وتلك الشعارات، ففي تركيا تمسك نجم الدين أربكان بشعاراته، وحتى عندما أتيحت له فرصة تشكيل حكومة اتجه الى انشاء اتحاد اقتصادي من الدول الاسلامية من الباكستان وايران.. إلخ، ومجموعة خطوات أخرى عجلت بانقلاب العسكر عليه، سلميا، عند هذه النقطة قام الجيل الثاني بمبادرته، فأنشأ حزب العدالة والتنمية بغير تلك الاجندة «الأربكانية» وتحقق ذلك الانجاز المنسوب الى رجل الشارع التركي، وليس الى مدرسة أيديولوجية، وهذه رؤية تجمع الهوية الوطنية الى هوية الحزب وتطلعاته بغير تلك النظرة الأممية التي اشتهرت بها المدرسة الشيوعية، وتمت أسلمتها في الشكل، وحتى المضمون من جانب المواجهة وضعف القدرة على استيعاب الآخر.
بعبارة أوضح، لقد نجح الاسلاميون بمصر في الوصول الى قلب رجل الشارع تأسيسا على اخفاق البرنامج الاقتصادي للدولة، وهو أمر مقبول سياسيا، وكانت أدواتهم هي الأعمال الانسانية الجميلة التي يشعر بها المواطن، وهو أمر أيضا جميل، ولكن هل يصمد ذلك امام اختبار ادارة المرافق الحكومية، وهو أمر خافت منه أحزاب يسارية معتقة رفضت المشاركــة في الحكـــم حتــى لا تكشفها الممارسة العملية، والمطلوب هو أن تتكون «أولا» ثقافة الادارة العامة، وأن تتراكم خبرات ادارة الدولة عبر الانخراط في هذا الشأن بعيدا عن الشعارات، وقريبا من الممارسات، ألم يقل حسن البنا يرحمه الله «اقيموا دولة الاسلام في قلوبكم، تقم على أرضكم»؟