فيصل الزامل
تتأثر الساحة السياسية في كل بلد بردود فعل الجمهور، اما سلبا بسبب السخط المتزايد، واما ايجابا عندما ينتشر الرضا ويزداد تشجيع الناس للأداء الجيد في الدولة بكل أجهزة ومكونات الدولة، هذه المسألة من الــبدهيـات، فهي واضــحة - مثلا - في الساحة الرياضية، حيث يحرص كل فريق على حضور المشجعين، وربما تم تأجير طائرات ليركبها المشجعون مجانا للوصول الى بلد تجري فيه المباراة.
في البيت، اذا لم يوازن الزوج بين جرعة القدح وجرعة المدح في كلامه فانه يجازف باستقرار بيته، فالمديح الموجه للزوجة على حسن طهي واعداد الطعام هو سبب لحماسها واتقانها أكثر فأكثر، وبالطبع لو زاد المديح عن الحد المناسب وصار يتدفق بمناسبة وبغير مناسبة، فانه يفقد معناه وهو ما نسميه بالنفاق، في المقابل، لو استخدم الزوج اسلوب الذم والاستهزاء بما تقوم به زوجته أو تلبسه، فان ذلك لا يمكن أن يشجعها على تحسين هندامها واختيار الملابس الجميلة له، فقد تعود زوجها على التهكم بها في كل حال، وحينما يعجبه شيء، في ملابسها، مثلا، فانه يقول لها وهو ينظر من طرف عينه: «تقليد فلانة؟ انت وينك وينها!»
هذا مجرد مثال، لتقريب صورة ما يجري في الكويت في الساحة العامة وذلك منذ سنوات طويلة، فقد كانت لدينا قدرات هائلة للابداع والبناء والتنمية، وهي التي أفرزت كويت التخطيط الجيد للطرق والمساكن وشبكة الكهرباء التي تتميز عندنا على غيرها من الدول بازدواج وصول التيار للمسكن، وذلك احتياطا، فعندما ينقطع التيار فان نصف البيت يستمر مستفيدا من ازدواج الشبكة ..الخ.
ثم، داهمتنا ثقافة غريــبة وعجيبة وسيطرت علينا لعشرات السنين وهي تقوم على القدح المتلاحق والذم المستمر، وفي حالة بروز انجاز رائع نتشاغل عنه، وفي أحسن الأحوال يقول بعضنا: «بيقلدون، اهم وينهم وين، الله يخلف!».
ان من يمارس هذا السلوك هو أكثر من يؤمن بأهمية وتأثير الثناء والمدح في زيادة الانجاز، بل ويحرص على نثـــــر صوره على عدد من الصحف كل صباح كي يسمع عبارات الثناء عند باب المسجد، او في الديوانيات التي يرتادها، وربما رد على من امتدح ما نشرته الصحف عنه قائلا «لا، نشروها؟ تصدق ما شفتها؟» بينما هو قد رآها قبل طلوع الشمس.
يا قوم، الفرق بين النفاق والثناء هو سلامة النية وحسن القصد، وفي الحديث الشريف «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» و«من قال لمن أسدى اليه معروفا: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء».
يقول لي طبيب شاب كويتي: «كنت أعالج مريضة مسنة، غير كويتية، في المستشفى، كانت تتكلم بلهجة الذم والسخط على الكويت، وأنا متماسك فهذا عملي وتلك رسالتي، ولكنني خرجت وأنا أتساءل: لماذا؟» أعتقد أنها تعيش بيننا منذ سنوات طويلة، وصارت ثقافتها جزءا من ثقافتنا التي تسمعها وتقرأها - للأسف - منذ عشرات السنين في هذا البلد.