فيصل الزامل
لنتأمل قليلا في بعض التجارب التي تجسد القدرات الإبداعية لأبناء الكويت خارج الكويت، ففي دولة الإمارات تأسس «مركز الزراعة الملحية»، الذي نجح خلال أقل من خمس سنوات في الوصول الى العالمية وقدم أنواعا من تقنيات الزراعة باستخدام مياه عالية الملوحة، بما يحقق وفرا اقتصاديا ضخما ويعزز الأمن الغذائي للكثير من الدول، وكان لاختيار البنك الإسلامي للتنمية شخصية كويتية هو د. محمد العطار للاشراف على تأسيس وادارة المركز الذي أسسه البنك باستضافة كريمة من دولة الإمارات الأثر الأكبر في تحقيق هذا النجاح، وبعد مرور حوالي ست سنوات قرر د. العطار العودة الى الكويت بعد ان ترك خلفه قصة نجاح متميزة لاتزال تسير بخطى ثابتة، تحمل معها اعجاب المسؤولين، في دول كثيرة تتجاوز 55 دولة بكفاءته، وبالنجاح الذي حققه المركز بإشرافه.
قبل ذلك كان د. فؤاد العمر أيضا من النماذج الكويتية الناجحة على المستوى الدولي، عبر عمله نائبا لرئيس البنك الإسلامي للتنمية، وكان لتعامله مع عدد كبير من الدول، من خلال أنشطة البنك ومشاريعه التنموية في عشرات الدول الأثر الأكبر في تقديم نموذج آخر من الكفاءات، مع ملاحظة ان العمل المالي المؤسسي والدولي ليس نزهة، فهو يتطلب قراءة مكثفة للوثائق ومراجعة مستمرة للعقود والقدرة على ادارة فريق عمل لكل اختصاص، كالمشاريع والاستثمار والمحاسبة وادارة البنية التحتية للمؤسسة بتقنيات متطورة وأنظمة عمل متقنة تشمل توزيع الصلاحيات.. الخ وهو ما نجح في تحقيقه د. فؤاد بدرجات عالية.
مثال ثالث هو د. وليد الوهيب الذي فاجأ أيضا بقدراته الإدارية والإبداعية ممثلي الدول التي تملك المؤسسة الإسلامية لتنمية التجارة ومقرها مدينة جدة، ففي فترة قصيرة من تسلمه لعمله باشر أعمال التنظيم الاداري ورسم استراتيجية واضحة لعمل المؤسسة وكأنه كان يعمل في هذا المجال بالتحديد لعشرات السنين.
هذه مجرد أمثلة فهناك العشرات غيرهم ممن يراهم العالمان العربي والأجنبي من رجال وسيدات، عبر الشركات الكويتية ومشاريعها الناجحة في العالم العربي، واذا سمعوا ان الكويت تتراجع في مسيرة البناء فإنهم يتعجبون، ويقولون لنا «كل دول عندكم وفلوس وعندكم، ناقصكم ايه؟».
لقد سيطر علينا في الكويت مفهوم خاطئ أن «من مسؤوليات الحكومة تعيين المواطنين في الوظائف» بينما ينص الدستور على عبارة «توفير فرص العمل للمواطنين» ومفهومها أشمل بكثير من مفهوم التعيين، ففي الولايات المتحدة مثلا يكون نجاح برنامج عمل السياسيين مرهونا بنجاحهم في توفير فرص عمل أكثر، من غير الزام الدولة هناك بتعيين المواطنين في تلك الوظائف، بعبارة أخرى اذا كانت الخطوط الجوية الكويتية - كمثال - تعاني بسبب التضخم الوظيفي الذي يستهلك قدراتها المالية في بند الرواتب، فتضطر الى الاقتراض وتتعثر في السداد..الخ، فإن تحويل ملكية هذه الشركة الى القطاع الخاص، والنهوض بانتاجيتها الى آفاق جديدة، مثلما حققته شركة أخرى كويتية خاصة في وقت قصير، هذا النجاح سيجعل «الكويتية» في حالة توسع مستمر، فيزداد عدد الطائرات من 19 إلى 60 وربما 100 طائرة، وتمتد خطوط التشغيل الى آفاق جديدة أو يتضاعف الدخل، ما يجعلها بحاجة الى زيادة تعيين الكويتيين وليس التخلص منهم، وهو أمر حدث مع نشاط «الاتصالات» الذي كان حجمه لا يتجاوز ادارة صغيرة في وزارة المواصلات، واليوم يستقطب مئات الموظفين الكويتيين، وقبله نظام التعليم الخاص الذي يستقطب ثلث أعداد الطلبة الكويتيين وأعدادا كبيرة من المعلمين والاداريين الكويتيين.
ان المعوق الأساسي للطاقات القيادية الابداعية الكويتية التي اتجهت الى الخارج هو قيام الدولة بادارة الخدمات العامة وفق مفاهيم غير صحيحة، وليس التوظيف إلا مثالا على تلك المفاهيم الخاطئة، والصحيح هو تخارج الدولة من ادارة الخدمات العامة، والمطلوب هو توعية المواطنين بالفوائد غير المحدودة التي تتحقق لهم، سواء كوظائف أو كخدمات راقية ونجاح اقتصادي عام في الدولة يعود أثره في المحصلة على المواطنين بالخير الوفير.
توعية المواطن هي المدخل، ومن ثم اشراك النائب في تحمل المسؤولية تجاه الاصلاح الاقتصادي، والنائب لن يكون عثرة إذا وجد ان الناس تريد السير في هذا الطريق بخطى حثيثة.