إذن، لأكثر من 50 عاما نجحت الأنظمة الجمهورية في الصمود ضد المعارضة السياسية من مختلف التيارات الفكرية، ثم انهارت تباعا عندما اندلعت ثورة الخبز، التي ما لبثت أن تحولت الى ثورة على هذه الأنظمة بالجملة، ولأن هذه الثورات تنتظر من البديل الذي سيأتي في كل بلد أسقطته من يقدم الحل الاقتصادي فسوف تتردد التيارات السياسية عن تحمل مسؤولية تشكيل الحكومة خشية الفشل شبه المضمون لمن بضاعته الكلام، ولو نظرنا في التجارب الناجحة التي حولت ماليزيا ـ مثلا ـ من التخلف إلى التقدم الاقتصادي فسوف نجد قائدا حازما، مهاتير محمد، وشعب منحه الثقة لأنه احترم التعددية العرقية (ملاوي ـ صيني ـ هندي) وحولها الى سبب قوة للدولة، وإذا نظرت الى النجاح التركي فسوف تجد أيضا شخصا اسمه تورغوت اوزال، كانت لديه مهارة اقتصادية فائقة ونظرة ثاقبة تشبه ما كان عليه الرئيس رفيق الحريري، هذا النوع من القادة يمكن أن يكرروا حتى في أجواء «ثورات – بالجملة» اذا انتبه الناس الى أن معاناة نصف قرن لا تختفي في نصف عام، لابد من العمل بأسلوب النفس الطويل، إذ انه من المعروف أن بناء دولة من الصفر – مثل ماليزيا - أسهل من بناء دولة على أنقاض نظام فاسد ومترهل، وثقافة لم تألف العمل المنظم بأسلوب الدول المتقدمة.
إن الدول العربية اليوم أحوج ما تكون الى «التحرك الجماعي» على المستوى الاقتصادي لمواجهة تحد لا يمكن لأي منها مواجهته منفردة، ببساطة شديدة «الاستيراد الجماعي أقل كلفة من المتفرق» والتنسيق في شراء المواد الأولية للصناعة سبب لإملاء شروط على المصدرين الذين يصدرون الينا التضخم حاليا، ولكن العمل الجماعي سيرغمهم على تحويله إلى غيرنا أو امتصاصه في اقتصادهم بسبب إغراء الحجم في الشراء، وحتى استيراد المنتجات المصنعة.
إن إعادة تدوير الفوائض المالية العربية في قنوات داخلية بالعالم العربي «المتضامن» سوف ترفع من كفاءتها مرات عديدة، ما يوجد فرص عمل هائلة، وهذه إحدى أهم المعضلات، ولو استبدلنا اجتماعات وزراء الداخلية بوزراء المالية، ثم دعمتهم الشعوب بتفهم كبير، وكذلك القيادات السياسية بتضحيات أكبر لحقق العرب في خمس سنوات معجزة اقتصادية تكون سببا لتحويل الضعف إلى قوة، والتشتت الى تلاحم بين الشعوب والقيادات في تلك الدول.
نعم «الحرية والعدالة» مطلب قد يفوق في أهميته الخبز، ويجب ألا تحدث مساومة عليهما في زخم الإصلاحات الاقتصادية، والمطلوب هو «الحركة الجماعية» التي ستكون تحت المجهر العربي الكبير، فنحن فعلا في «سبع سنين عجاف يعقبهن سبع سمان» ما يتطلب منح الثقة للقوي الأمين حتى نجتاز تلك المرحلة بأقل قدر من الخسائر والضحايا.
مرة أخرى، أمثال رفيق الحريري مطلوبون، انهم القادة الاقتصاديون الذين يفتدون الأمة بالغالي والنفيس، هؤلاء موجودون، أفسحوا لهم الطريق وسترون العجب.
كلمة أخيرة:
قال الضابط العراقي ـ إبان الاحتلال ـ لشخص كويتي ركب معه السيارة لمعاينة موقع حادث «اسمع أقل لك، جماعتنا بالعراق أكلوا النفط وحدهم وجوعونا، انتوا أكلتوا كلكم من هالنفط، انتوا صار عليكم نعمة وإحنا صار علينا نقمة، والنفط هو هو».
[email protected]