فيصل الزامل
صورة «القائد» في الذهن العربي تجنح الى الكثير من الرومانسية، وتتصوره شخصا فذا في كل شيء، اذا تكلم كان خطيبا مفوها واذا تصرف كان حكيما مسددا، يمتطي جواده الأبيض في شمم وعزة، يصول بين الصفوف في أنفة واباء، هذه الصورة الجميلة، والتي نسميها اليوم «القائد السوبرمان» قد تتحقق في ومضات نادرة من التاريخ فتجتمع أكثر تلك الصفات في شخص واحد، ولكنه أمر نادرجدا، وفي لغة اليوم أيضا فان قيادة الدولة تكون في يد ادارة وفريق من المتخصصين يتعاونون في انسجام، يتقدمهم رئيس يملك عددا من صفات القيادة، وليس شرطا أن يمتلكها جميعا.
في تجارب هذا الزمان تجد - في بعض التجارب - القائد قليل الكلام وربما أعيته الفصاحة، ولكن الفريق المحيط به يسدد قوله بتصريحات تمثل رأي الدولة، بل اننا نجد كثيرا من رؤساء تحرير الصحف يراجع افتتاحية كتبها جهاز التحرير، يكون هو قد وجه بكتابتها، ثم تنشر بتوقيعه ولا يعيبه ذلك في شيء، فهو الذي أسس المسار لتلك الافتتاحية، ولا يضيره ألا يكون محترفا في الصياغة.
في تجاربنا الأليمة نجد بعض الصحافيين ينتظر خروج المسؤول من اجتماع، أو حينما يصل الى أرض المطار فيمطره بأسئلة
ولا بد أن يكون في الردود «المباشرة» قصور في التعبير أو نسيان لعبارة، فيقتنص البعض ذلك لتقديم شخص المسؤول الى الناس في صورة هزيلة، بينما تنجح دول أخرى في صيانة تلك الصورة حتى لو افتقد المسؤول مهارات الخطابة وفصاحة التعبير، فالدولة تدار من خلال فريق، وليس من خلال فارس يمتطي صهوة جواد.
ان بناء الثقة في الصف القيادي هو سبب لتنامي الحكمة في أوساط ذلك الصف، وتتابع التصرفات السديدة، مطلوب جدا أن تتم الموازنة بين الانتقاد لمن يخطئ مع دعمه في سعيه الحثيث الى إجادة عمله، هذه الموازنة هي سبب لزيادة فئة القادة الحكماء.
لقد تسبب الفهم الرومانسي العربي لصفات القائد في الاعجاب بالشخصية الديكتاتورية، وها أنت تجدهم يشيدون بصدام وأمثاله لسبب بسيط هو أن الديكتاتور لا يسمح باقتراب الصحافيين في المطار - كمثال - لاظهار صورته الحقيقية، وهي التي تكشفت يوم أن زال عنه ذلك السلطان، واذا به
لا يختلف عن غيره في ضعف البيان وارتباك الذهن، وهو أمر بشري اذا زاد التركيز عليه، بدلا من التركيز على تنمية فكرة ادارة الدولة عبر فريق ونظام مؤسسي متجانس، اننا اذا لم نفعل ذلك فإننا لن نجد أبدا ذلك القائد السوبرمان، وسنستمر في البحث عن «العنقاء» الى أن نهبط من الرومانسية الى الواقعية، ذات صباح جميل.