فيصل الزامل
المساواة في الرواتب تعني أننا نوزع اعانة اجتماعية، وبذلك يتبخر مفهوم الاجتهاد، فالمقصر يتساوى مع المجتهد، والمشغول بتطوير العمل وانجاز مصالح المواطنين يتساوى مع المشغول بمتابعة البورصة، جسمه في الوزارة وعقله مع مندوب يتابع له معاملاته يشتري اسهما أو يعمل وسيطا عقاريا..الخ، كل ذلك يسمعه الموظف المشغول بانجاز العمل بإتقان، بينما يتزايد ضغط العمل عليه، يقابل ذلك سرحان زميله وانشغاله بأعماله الشخصية، فاذا انتهى الشهر طبقنا المساواة في «الكادر»، وفي نهاية العام أيضا نطبق المساواة بـ «المكافآت»، فهل هذه هي مبادئ العدالة؟
الحل الجذري ليس في «ظلم بالسوية.. عدل بالرعية» ولكن بنقل ادارة الخدمات العامة من كاهل الدولة الى القطاع الأهلي، ففي الشركات التي تدير حاليا في الكويت قطاعات مثل التعليم والاتصالات، وحتى النقل الجوي لا تسمع تلك الشكاوى، الموظف المجتهد هناك يرى نتيجة اجتهاده واضحة فيترقى بجده واجتهاده، والمقصّر يتحرك بسرعة لأستدراك تقصيره لأن الوساطة لن تحقق له الترقية بقدر ما يحققها اجتهاده.
المعالجة بردود الأفعال لن تحقق المطلوب، ونحن على ثقة من قوة وقدرة القيادة السياسية العليا على تحقيق استدارة عن المسار الخاطئ الحالي وتوجيهه نحو التخارج من الخدمات العامة في برنامج يمتد الى خمس سنوات على الأقل، بعض تلك الأنشطة قد نتخارج منها في عام واحد فقط كالخطوط الجوية الكويتية، بالنظر الى جاهزية الدراسات ونضجها، وحاجتها الى اصلاح مالي يهيئها للنقل الى السوق خلال أقل من عام، اذا أردنا ذلك بجد وتابعناه بتصميم قوي، شركة النقل العام شبعت هي الأخرى دراسة ويمكن التخارج منها وفق الضوابط الاقتصادية التي سبق تطبيقها على غيرها، كما أن نقل الخدمات الصحية في بعض المستشفيات الى القطاع الأهلي قد بدأ على استحياء، عبر المختبرات وخدمات مساندة متنوعة، «المجلس الأعلى للتعليم» اتخذ قرارا منذ فترة بالاستعداد لتكليف شركات التعليم بإدارة عدد من المدارس الحكومية بشكل متدرج يمتد الى كافة مدارس الوزارة بتكلفة أقل وعائد تربوي وتعليمي أعلى، وفق اشتراطات وتأهيل، وذلك بالإفادة من النجاحات التي تحققت فعليا في التعليم الأهلي.
الكويت كلها تقوم بالتشخيص ووصف العلاج، بالديوانيات وفي مجلس الأمة وفي مجلس الوزراء وما ان يلتقي كويتيان في أي مكان في العالم الا وهذا الموضوع هو ثالثهما، وهذه الأفكار معلومة لدى الجميع، والدراسات جاهزة وحتى «القرار» مُتّخَذ في بعض تلك القطاعات، والمطلوب هو قطع دابر التردد في مرحلة التنفيذ.
نعم، سيعترض شخص هنا وشخص هناك، وفي النهاية سيغير هؤلاء آراءهم اذا رأوا جدية الحركة، مثلما كتبت تلك السيدة اللبنانية التي عارضت بشدة ازالة بيتها في وسط بيروت لإقامة «السوليدير» واعادة تنظيم وسط المدينة، كتبت تقول:
«لقد كان الحريري على حق، التعويض كان عادلا، والحركة التجارية أوجدت لابني وعشرات غيره مجالات عمل جديدة، نعم لقد كنت على حق يا رفيق الحريري، يرحمك الله».
لقد اعترض البعض على اقامة مجمع المثنى قبل ربع قرن، وهاهو يقدم خدماته طوال تلك الفترة، وتغيرت آراء المعترض عندما رأى النتيجة، ولو توقفنا لانضم ذلك المبنى القديم الى بقية المدارس المهجورة المتناثرة حاليا في العاصمة والتي تشوه وسط المدينة، نعم دائما سيكون هناك رأيان في أي مسألة، يكفينا ان اتخاذ القرار يكون قائما على دراسة وليس على ردود الفعل، وعندئذ سيكون المعترض أكثر الناس سعادة بالحسم، والتنفيذ الجيد للأفكار الرائعة.