عندما تقارن ما يحدث في الكويت بما يجري في الدول العربية التي تشهد ثورات تصاب بالحيرة، فهم هناك يطالبون بالديموقراطية والناس عندنا تشتكي منها، أقول: الناس، مواطنين ونوابا، بعد أن فشل بعض النواب في العمل من داخل قاعة عبدالله السالم خرج يهتف بسقوط مجلس الامة، وقد سبقه الى هذا المطلب أناس كثر فقدوا الامل في اصلاح الممارسة النيابية، فلما التقى أصحاب المطلبين المتعارضين ـ مطلب الذين ملوا من ممارسات النواب، مع بعض النواب المتسببين في هذا الملل ـ قفز هؤلاء الى جانب الناس الغاضبين وطالبوا معهم بسقوط مجلسهم العتيد (...) أي أنهم ينقلبون على ديموقراطية يتمحكون بها ليل نهار، هذه عقلية اللامعقول التي تركض بكل اتجاه في تخبط مأساوي.
لقد تقدم بعض النواب بطلب استجواب لرئيس الوزراء وقرر المجلس احالة الطلب الى المحكمة الدستورية، هذه هي القنوات الديموقراطية التي يتمنى ويحلم الشارع العربي بتحقيقها في بلاده ويقدم لاجل الوصول اليها أرواحا بالآلاف، بينما يتململ البعض عندنا من هذه الممارسة الديموقراطية ـ وباسم الديموقراطية! هذه الوضعية تحتاج فعلا الى أطباء نفسيين ليشرحوا لنا ما الذي يجري، هل هو هوس بالحالة العربية رغم أنه وضع معكوس تماما؟ لقد دفع هذا التنافر المجتمعين يوم الجمعة الماضية الى رفض وجود النواب مسلم البراك ود.وليد الطبطبائي ومبارك الوعلان ـ مع الاحترام للاشخاص ـ ضمن التجمع وهتفوا «مجلس الامة باطل.. باطل».
لقد انحرفت الممارسة الديموقراطية عن جادة الصواب الامر الذي فقع مرارة المواطنين من الاصرار على تجاوز الدستور باسم الدستور، فرئيس الوزراء موجود وفق السلطات الدستورية لصاحب السمو الأمير، وما يشيعه خصومه عنه لا تدعمه حجة في ضوء تحقيقات الجهات الرقابية، الامر الذي أدى بأول من طالب بمحاسبة ديوان رئيس الوزراء الى تكوين قناعة جديدة شارك بموجبها في التشكيل الوزاري وهو السيد الفاضل أحمد المليفي، وبالنسبة لضعف مستوى الانجاز فهذه مسؤولية مجلس الامة المباشرة بعد أن ذابت المادة 50 من الدستور عبر ممارسة النواب السلطة التنفيذية بتوظيفهم مسألة الاستجوابات لارغام الوزراء على تنفيذ تعليماتهم بشأن القرارات التنفيذية، وهو أمر مشهود ويعرفه القاصي والداني، ولن يوقف هذا الانحدار الا ثورة الاغلبية الصامتة وانتقادهم العلني للعابثين في أي مكان يشاهدونهم فيه مثلما فعلت سيدات يوم الجمعة الماضية وقبل ذلك في سوق الأفنيوز مع نائب يتصدر هذا العبث.
كلمة أخيرة:
عندما استقبل الرئيس أنور السادات شاه ايران بعد مغادرته السلطة خرجت مظاهرات ترفض استضافته في مصر، وأعلن الاعلام الرسمي يومها «.. هذه أعمال طائفية من متطرفين مسلمين ضد الاقباط» ومثل هذا التحريف فعله نظام صدام مع حشود كانت تنتظر دورها أمام المخبز، حمل عملاء صدام يافطات لصالح القائد البطل، وفي اليوم التالي وجد الناس صورهم في الصحف والتلفزيون على أنهم في مظاهرات تأييد، وليسوا في طوابير خبز!
هذه الممارسة وصلت الينا على يد مدعي الديموقراطية عندنا الذين يسعون الى تصوير الجماهير الغاضبة من أدائهم على أنها مناصرة لهم، هذه ثقافة أنظمة سادت ثم بادت.. ثم ولدت من جديد عبر هؤلاء في بلادنا.
هل يحتاج المواطن الكويتي الى تجربة معاناة الملايين العربية المهاجرة من دولها الى الغرب والشرق المحرومة من مذاق الوطن الأم؟! ألا يكفيه ما حدث في 1990؟!
[email protected]