فيصل الزامل
يقول الحجاج: «التغيير كبير في سلاسة إجراءات المطار والحركة بين المشاعر وفي كل مكان، أما المرجم فقد تحول الى شيء آخر تماما بعد التوسعة الجديدة»، ربطت بين هذه الملاحظة وما قرأته في الصحف عن تواجد مكثف للقوة العسكرية السعودية في مناطق المشاعر، والتي وصلت الى 55 ألف جندي وهي تمثل أكثر من نصف القوات المسلحة السعودية، ومع ذلك فإن الناس لم يكونوا يشعرون بأجواء عسكرية في التعامل بل كانت الأمور تسير بسلاسة فوق العادة، وهذا الجمع بين الأمرين - الانضباط الأمني والحركة الطبيعية - هو انجاز كبير بحد ذاته.
لم تنشغل المملكة العربية السعودية بمتطلبات بناء المدن الاقتصادية في جدة وجيزان، ولا انشاء المدن السكنية الجديدة وشبكة الطرق اللامتناهية ومشاريع محطات التحلية، وغيرها من مشاريع التعليم والصحة والبنية التحتية التي رصدت لها الميزانية الجديدة 110 مليارات دولار - وليس ريالا - لم تنشغل أجهزة الدولة بهذا كله عن تطوير منطقة المشاعر المقدسة وما يتصل بها من خدمات النقل والإسكان والمرافق الصحية..الخ، وليس من وصف لذلك الا (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
التسامح مع المذاهب الإسلامية سواء الشيعة أو غيرهم تجده في اسلوب التفاهم حول متطلبات كل منهم بشيء من المنطق الرحب، فهناك من لا يجيز ذبح الأضاحي الا بحضور الحاج ورؤيته لعملية الذبح، وبالنظر الى قيام المملكة بتنظيم هذه العملية بالأسلوب الجماعي المعروف - تحت ادارة البنك الإسلامي للتنمية - فقد تم الاتفاق على قيام وكيل عن كل 50 حاجا بالحضور والاطلاع على عملية الذبح، مع تهيئة ممرات علوية لمن شاء من الحجاج المرور من أعلى، للاطلاع بنفسه دون حاجة للخوض في منطقة العمل المكتظة، ومثل هذا التسامح تجده مع الحجاج البهرة وغيرهم، وهي سعة لافتة للنظر من دولة يقال عنها شيء آخر فيما يتصل ببقية المذاهب، والواقع يكذب تلك الأقوال.
المجمعات السكنية الضخمة التي أنشئت حول المسجد الحرام، توسعة المسعى، ازالة جبل عمر، كل ذلك تم بغير ارباك حركة المعتمرين والحجاج، فلا ترى الشاحنات المحملة بالصخور وقد سدت الطرق ولا أربكت تلك الرافعات الجبارة حركة السير، لم يلاحظ أحد شيئا من ذلك في أضخم حركة عمران شهدها وسط المدينة المقدسة الضيقة في ممراتها والمزدحمة على مدار العام، وهذا أيضا انجاز آخر يستحق التقدير والاحترام، حيث يجري تصنيع الوحدات الخرسانية خارج مكة المكرمة، ويتم رفعها وتركيبها بدقة متناهية، وصلت بتلك الأبراج الى ارتفاعات تتراوح بين 45 و60 طابقا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين على مدار العام، وكما هو معروف فإن كثافة العرض لابد أن تنعكس على خفض أسعار السكن.
نعم، هم يؤثرون على أنفسهم، ففي مدينة جدة هناك أزمة مياه شرب، تحاول الدولة أن تجد لها حلا بزيادة طاقة التحلية من البحر، الا أن هذه الأزمة غير مسموح لها بأن تصل الى مكة أو المدينة المنورة، فشعار الدولة هو «ضيوف الرحمن أولا».
في الحديث الشريف «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» ولهذا فإننا نقول للملك عبدالله بن عبدالعزيز وحكومته: جزاكم الله خيرا عن الإسلام وأهله، فقد كفيت ووفيت يا بومتعب، حفظك الله ومتعك بالصحة والعافية.
فائدة من الحج
مشهد مهيب، الطواف حول الكعبة الشريفة يراه العالم كله في التلفزيون عبر 3 دوائر في صحن الكعبة والطابق العلوي والسطح، لابد أن أجانب كثيرين يشاهدونه من خلال تلك الشاشة وربما قارن بعضهم بينه وبين الصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية لأعاصير المحيطات الضخمة التي تدور بشكل ضخم في مساحة مئات الكيلومترات فوق المحيط، أيضا دوران كواكب مجموعتنا الشمسية حول الشمس في مجرتنا التي تضم مليار مجموعة شمسية تدور فيها الكواكب لكل مجموعة حول أكبر نجم فيها. ثم، من بين جموع الطائفين تقف الكعبة وكأنها عمود من النور متصل بالسماء، وقد ثبت أن الكعبة تقع في مركز منتصف جسم الكرة الأرضية، انها ليست مصادفة، لمن أراد أن يتفكر.