فيصل الزامل
بعض شركات التأمين تعوض عميلا عن حادث أتلف سيارته بالكامل ولو تجاوزت التكلفة عشرة آلاف دينار، بينما لا يتم تعويض حالة مشابهة تماما، ويدخل العميل في دهاليز المحاكم لسنوات يخرج منها صفر اليدين، مع تشابه الحالتين. لم اجرب هذه المسألة شخصيا ولكنني سمعت بها من موظفين في شركات تأمين وهي تحدث لأن العميل الاول مسؤول في موقع يهم شركة التأمين، والثاني مواطن عادي، مثل هذه الممارسة قد تحدث في غير شركات التأمين مما بدأنا نراه ينشر في الصحف، مثل تسلل عميل الى موظف آسيوي يصل بسهولة الى المعلومات المالية عن المحافظ الاستثمارية في الشركة ويعملان معا لافادة العميل، الى الحد الذي اشترى فيه العميل لذلك الموظف بيتا في احدى المناطق السكنية، وهذا يبين حجم افادته منه وقد تمت احالته الى التحقيق، لكن ملف نزاهة الموظفين في الشركات المالية والبنوك سيبقى مفتوحا، صحيح ان هذا الملف مفتوح اصلا في كل موقع في القطاع العام او الخاص، الا ان وضع الشركات والبنوك بالغ الحساسية ليس فقط لحيازتها مدخرات كل الناس ومسؤوليتها الكبيرة في الحفاظ عليها، ولكن ايضا لما يتعلق بالاطلاع على خصوصيات الناس التي لا تقل قدسية عما يواجهه الطبيب من مسؤولية في الحفاظ على الاسرار، ومن يهتك تلك السرية فهو لا يقل قبحا في جريمته عن طبيب اعتدى على مريضته.
عقدت ندوات ويجري الاعداد لاخرى في اكثر من بلد خليجي لتناول «حوكمة الشركات» و«الالتزام بالقيم المهنية في الشركات» و«انعكاس الاخلاق والقيم على كفاءة الاداء في المؤسسات المالية» و«اهمية تقنين المبادئ وآليات تطبيق تلك القوانين» ..الخ، هذه وغيرها من المواضيع صارت الشغل الشاغل لمجتمع الشركات المالية الكويتية والخليجية في ظل فورة اقتصادية تحتاج الى وسائل حماية وادوات تنقية لهذه الصناعة من الشوائب والممارسات المنحرفة التي قد تعتريها.
ان سرية العمل المصرفي - كما يقول احد الموظفين - تجعلني استقبل مكالمة احد العملاء من كبار السن يسأل فيها عن رصيده، فأقول له «عمي راح اقرأ لك الارقام من اليسار الى اليمين وانت اوقفني، فاقرأ واحد سبعة ثلاثة....» فيقول العميل «خلاص وقف» والسبب هو خشية الموظف ان يكون هناك من يستمع الى المحادثة حتى لو كان في نفس المنزل، والعميل لا يرغب في اطلاعه على بياناته المالية.
ان الامانة لا تقتصر على تجريم الاختلاس والسرقة، ولكنها تمتد الى المعالجات المالية غير السليمة لبنود الميزانية على حساب اي من تلك البنود، وبالذات في حالة تشابك الملكيات بين الشركات، وهو امر بالغ الحساسية وفي نفس الوقت معروف لدى مساهمين يرون بأعينهم تلك التصرفات ويتحدثون عن تأثيرها على قيمة اسهمهم، ومثل ذلك يقال عن مواقع تتيح لمسؤول الاطلاع على المعلومات فيتصرف في ضوء ذلك، وقد بلغ الامر باحدى الشركات في فترة سوق المناخ في الثمانينيات انها فوضت العضو المنتدب في شراء الاسهم من السوق للافادة من فورة الاسعار، ما ادى الى سوء تصرفه بالسلطة الممنوحة له، فاذا ارتفع السهم في اليوم التالي قام بتسجيل العملية لصالحه لأنه كان يعمل خارج الدوام، واذا انخفض سجله لصالح الشركة!
هذه الممارسات تمحق الاقتصاد وتدمر المتلاعبين قبل غيرهم، سواء في اموالهم وسمعتهم، او في محق بركة المال على اهليهم، فالكسب الخبيث لا يوصل الى خير مهما كانت مغرياته.
فائدة في المعاملات
قال لي محام خليجي عركته تجارب قاربت نصف قرن من الزمان «رأيت الاموال التي جاءت من غير الحلال وما فعلت بالابناء فيما بعد من خلافات اضاعت الثروة، فرتبت المقولة التالية: ما جاء بالتحاوش، ذهب بالتهاوش».