فيصل الزامل
دار الحديث في احدى الديوانيات ابان واحدة من فترات التصعيد السياسي - وما أكثرها - فالتفت نحوي أحد الحكماء ممن قاربت سنه التسعين عاما، وقد آلمه تجريح شخص من جيله لأن ابنه النائب قد تبادل مع خصم له كلمات «ردح» فطال والده الأذى، قال لي العم بصوت خفيض: «هذا اللي ما ودك فيه، يلحقك سب بعد موتك رغم أنك كنت في قمة الادب، ما يستاهل والده، صاحبي وكان في غاية الأدب والخلق النبيل»، كان يتألم وتألمت معه، فقد تأسست أعراف سيئة جعلت «الردح» جزءا لازما من العمل السياسي حسبما يرى البعض.
أذكر أنه في سنوات مضت وأيضا في واحدة من مراحل التجاذب الحاد قامت مجموعة من النواب بالانسحاب من الجلسة في حركة استعراضية، وكان من بينهم نائب معروف باعتداله السياسي، فلما سئل عن مشاركته تلك الاستعراضية أجاب قائلا: «شوفوا الصحف باكر، الاضواء ما تسلط الا على هؤلاء»، وبالفعل صدرت الصحف في اليوم التالي على النحو الذي ذكره.
من المسؤول عن انتشار هذه الاعراف المدمرة للعمل السياسي في الكويت؟ انها الصحافة بالدرجة الاولى ومن بعدها الناخب الرشيد الذي يرى الخطأ ويسكت، وقد رأينا كيف يمارس بعض النواب كرما حاتميا من جيب الدولة ببلايين تتبعها البلايين «زيادات، كوادر، صندوق معسرين، اسقاط قروض.. إلخ» ولو طلب مواطن محتاج من نائب أن يقرضه 100 دينار فقط لما أعطاه النائب شيئا، بينما هو يصرف بسخاء وبذخ (..) عبر اقتراحات لا تكلفه أكثر من صفحة واحدة يكتب فيها خمسة أسطر و.. «يا دولة اصرفي، وافتحي الخزائن كما أمرتك، والا استجوبك» وهو يظن أنه قد نال الذكر الطيب بين الناس، ولكن لا تمر الا اشهر وربما أسابيع قليلة حتى ينسى الناس من الذي قدم هذا الاقتراح أو ذاك، في حين تعمل وزارات بأكملها ليل نهار لتحقيق ما جاء في تلك الاسطر الخمسة، وينزف المال العام ويتحمل المواطن الغلاء المدمر بسبب صرف غير رشيد، ولا توجد آلية لمحاسبة هذا النائب على مقترحات يستنفع بها هو شخصيا - حسبما يعتقد - على حساب الدولة والمصلحة الحقيقية للمواطنين.
نعم، لا توجد آلية لمحاسبة «نائب/وزير» قضى 80% من أوقاته أثناء العمل في الاستعداد ليوم حل مجلس الأمة «تعيينات قسرية يلزم بها الوزارة والهيئات التابعة لها، بعثات غير نظامية، ترقيات لا تقرها اللائحة، علاج في الخارج بعيدا عن اللجان.. إلخ» فإذا صدر قرار حل المجلس أو انتهت مدته تمدد في كرسيه مسترخيا، فقد استخدم المال العام في حملته الانتخابية، بينما يصرف منافسوه من جيوبهم، ولا مقارنة بين خزائن الدولة التي كانت تحت تصرفه، وقدرة المرشح العادي، من يحاسب هؤلاء؟
لا أحد!
كلمة أخيرة:
لقد كانت بعض الاقلام تستلهم نظريات ركيكة سادت ثم بادت، واليوم نطلب من «نفس الاقلام» أن تصحح المفاهيم الخاطئة وهي شجاعة كبيرة يحتاج اليها وطن يستأهل شيئا افضل مما نراه اليوم، لقد سجل التاريخ لأشخاص مثل توفيق الحكيم «عودة الوعي»، وسجل على «هيكل» تماديه في تضليل شعبه على مدار نصف قرن، حتى آل به الحال الى «دولة الطوابير».