فيصل الزامل
عندما رسم أيوب حسين لوحة سيارة تمر من بوابة السور، هل كان صوت تلك السيارة القديمة الخشبية يتردد في أذنيه وهو يرسم؟ وعندما رسم لوحة امرأة واقفة وفي يديها الاثنتين شجرتا «عرفج» كاملتان فيهما آثار خضرة الربيع، هل كان أيوب حسين يشم رائحة الربيع وزهور الصحراء الذكية وهو يرسم لوحته؟ وعندما رسم لوحة «الكشتة» التي تبين الأهالي وهم يمشون وقد حمل كل منهم شيئا من متاع الرحلة، هل كان أيوب حسين يسمع صوت تصايح الأطفال ويشاهد - وهو في المرسم - خباري مياه الأمطار متناثرة في طريق «الكشاتة»؟
لقد أوتي الأستاذ أيوب حسين قدرة رائعة على الوصف الدقيق لا تقل عما فعله أبلغ الشعراء في توظيفهم مفردات اللغة لوصف زمانهم وشمائل الناس، الكرم والسخاء والشجاعة والإقدام، فسجلوا أيامهم ووقائعهم، وهكذا فعل هذا المبدع عبر مئات اللوحات التي نقلت لأجيال كثيرة صورا ومشاهد لم تسجلها قبله كاميرا ولا شعر يصف كويت الماضي ليعتبر به من يعتبر، بل قامت الجرافات بإزالة معظم معالم الماضي مع استثناءات نادرة مثل بوابات السور والمساجد القديمة وبعض المدارس والديوانيات التي تروي قصة جيل مكافح، واجه مجاعة سنة «الهيلق» بكرم عجيب، استقبلت معه الكويت النازحين اليها بكل حفاوة، وفعلت مثل ذلك في سنة الرحمة و«هدامة» وفي كل مناسبة كانت تفيض فيها النفوس بالبذل والتكاتف والتراحم، هذه الشمائل ستتراجع وراء ضباب النسيان ما لم تسجلها الريشة أو الكلمة الرشيقة فتحفظها ذخرا لأجيال افتقدتها، فقد تعود تلك الروح يوما الى دنيانا من جديد!
لقد تأملت لوحة «الزوارة» للمبدع أ.أيوب وهي تصف ذهاب الزوجة الى بيت أهلها في يوم واحد كل أسبوع، يصاحبها الزوج سيرا على الأقدام، حاملا على كتفه أصغر الأطفال، بينما أمسكت هي بأيدي البقية، يمشي الجميع من حي الى حي، وربما كانت المسافة من الشرق الى الجبلة - كما حدث معي ولكن بالسيارة ! - لزيارة بيت الجدة والأخوال، وقد سجلت اللوحة المسير بين سكك ترابية تقطعها بعض ممرات صرف الماء العادي - وليس المجاري- فالكويت رغم قلة الموارد اتصفت بالنظافة، وقد كانت المنازل متقاربة بل متلاصقة وكان السير في السكك بين جدرانها العالية في الليل متعبا بسبب شدة الظلام، قارن ذلك بالتصاميم الحديثة اليوم للمناطق السكنية حيث الشوارع الفسيحة والاضاءة الباهرة، فسبحان مغير الأحوال.
لقد وصفت لوحات أيوب حسين مشهد «الفرضة» وهي ميناء الكويت الرئيسي حيث تحط السفن رحالها وتنزل غرائب السلع والبضائع على الساحل لتأخذ طريقها الى الأسواق المحلية والى خارج المدينة، كان سكان البيوت القريبة من «الفرضة» يتمتعون بمشاهدة الحيوانات الغريبة التي تجلبها السفن مثل القرود والغزلان والطيور، كانت صورة جميلة أدركنا شيئا منها، وخلدتها ريشة فنان الكويت الأول الأستاذ أيوب حسين، شكرا لك من القلب، مع خالص المودة والعرفان.
كلمة أخيرة:
آمل أن تنشر لوحات أ.أيوب حسين في الأماكن العامة كالمستشفيات والمدارس والدوائر الرسمية لتزين الجدران بما يسمح لأعداد كبيرة فاتها حضور المعرض أو اقتناء لوحاته الثمينة، أعتقد أن أ.بدر الرفاعي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب أكثر مني اهتماما بتحقيق هذه الأمنية، ما لم تصطدم بمعوقات!