فيصل الزامل
في عام 1986 كان الشيخ سعد العبدالله يشارك في مؤتمر عربي، وبينما هو يسير في احد ممرات القاعة التقى رئيسا عربيا واتجه للسلام عليه، كان هذا الشخص جالسا فمد يده بغطرسة وهو جالس، تحول حلم الشيخ سعد الى غضب عارم وصرخ فيه بشدة: «قوم اوقف، احترم رؤساء الدول وممثلي رؤساء الدول» فانتفض واقفا وهو يقول «أنا عاتب عليك لأنك صافحت ريغن»، فقال الشيخ سعد بنفس الشدة والغضب «صافحت ريغن، وراح أصافح بوش وأصافح كل يد شريفة تمتد الي» وتركه وانصرف.
ثم بعد سنوات قليلة وفي مؤتمر آخر كان مقعد نفس الرئيس العربي الى جانب مقعد الشيخ سعد على الطاولة، في هذه المرة تجاهله الشيخ سعد تماما، حاول صاحبنا الملاطفة بأن ملأ كوب ماء وقدمه له، فقال له الشيخ سعد «عندنا خير من الله ما نحتاجك».
هذه الشدة في وقتها، كان يقابلها في الكويت من الشيخ سعد حلم وافر في مناسبات كثيرة، ففي لقاءاته بالمواطنين كان يستمع الى شاب في عمر ابنه وهو يتحدث في ديوانية موجها انتقاداته بشكل حاد، وكان الشيخ خلال حديث الشاب مستمعا جيدا، يحاوره بهدوء، وقد تكررت هذه الحالة في مناسبات عديدة شهدت بعضها وتابعها كثيرون غيري، وعند الجمع بين الصورة الأولى والثانية تتذكر (أشداء على الكفار رحماء بينهم).
مناسبة هذا الحديث هي أن باب التواصل في الكويت بين الحاكم والمواطن مفتوح، وهذا يتطلب حسن الافادة من هذه الفرصة التي لا تتاح في دول كثيرة، وعدم تحويلها الى مناسبة استعراضية - بسبب الحلم - ثم يخرج المتحدث ليتصل بأصدقاء في ديوانية «تكلمت معاه بحدة، قلت له بصراحة انتو، وانتو» هذه الاستعراضية لا تتلاءم مع مستوى المسؤولية في إيصال النصيحة الكاملة بغير اشباع غاية نفسية من أي نوع، وربما أدت هذه الطريقة بشخص مثل الشيخ جابر - يرحمه الله - الى اختصار مثل تلك المناسبات التي لا ينتبه فيها البعض الى الفارق بين النصيحة وتلك الاستعراضية، ومن لا يدرك ذلك يتساءل عن سبب اختصار المرحوم للقاءات دون معرفة السبب، فليس من طبعه المساجلة، أما أهل «النصح الخالص» فقد كانت أبوابه مشرعة لهم.
من جانب آخر، في كل جيل هناك فئة متسرعة، يحدثني أحدهم «في عام 1965كنا ندرس في القاهرة وبينما نحن نلعب الورق في مقر الاتحاد جاءنا من يخبرنا بوفاة الشيخ عبدالله السالم، فأبدى البعض ابتهاجه وصفق، ومع مرور السنين كان هذا يمتدح الشيخ عبدالله السالم وأنه أبو الدستور لا لشيء إلا لتقدمه في السن والخبرة» هذه الحادثة تشير الى حقيقة أن البعض لا يزن الأمور بواقعية، وكلما مر الزمن جاء متسرع جديد، واذا تغير الأشخاص تكررت منه عبارت المديح لمن كان ينتقده في السابق، يتنقل بين الآراء ناسيا أنه لم يحدث إجماع على الرسل والأنبياء ولا أبرز قادة التاريخ، وأن الواقعية تتطلب «دفع أكبر المفسدتين، والأخذ بأعظم المصلحتين في الشأن العام».
كلمة أخيرة:
قال العز بن عبد السلام - رحمه الله: «إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا لأمر الله تعالى: (فاتّقوا الله ما استطعتم) وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة، فالضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه، وتقدم المصلحة الكبيرة على الصغيرة، وكذلك فان المفسدة الصغيرة تغتفر في المصلحة الكبيرة ولا تترك مصلحة متحققة من أجل مفسدة متوهمة».