فيصل الزامل
الأجواء السياسية التي نعيشها تذكرني بحقيقة ان البيئة المحيطة بالناشئة من الشباب هي التي تشكل مزاجهم ومن ثم ميولهم التي تتحول الى اتجاهات، بعبارة أخرى لو لم تكن البيئة الثقافية المصرية في فترة الثلاثينيات والأربعينيات عامرة برواد من كبار الكتاب والمبدعين في الأدب والفكر لما ولد عمالقة تلك الفترة، شوقي وحافظ في الشعر، والزيات وفيليب تقلا والأخوان أمين في الصحافة..الخ، هذه الفئة تتضاءل في حال انصراف المجتمع عن تسليط الضوء عليها والاهتمام بها، حيث سيشعر النابغون بالغربة ويلجأون الى الانزواء مع قلة من أمثالهم، انظر الى البرازيل في تشجيعها للرياضة، الصحف تحمل أخبارها المفصلة يوميا، صور اللاعبين تملأ غرف نوم الشباب، في هذه البيئة يولد «بيليه» وبعده بسنوات «رونالدو» وبينهما عشرات لا أعرف أسماءهم، انها البيئة هي التي تصنع النجوم بل تشكل ثقافة الكلام وتختار المفردات الرائجة، ففي لبنان تقرأ في الصحافة المحلية في خطابات السياسيين ما يعد قاموسا لغويا خاصا بلبنان من تراكيب كلمات مهجنة يتعاطاها المطران الخارج من الكنيسة وذلك الشيخ الذي تستضيفه احدى الفضائيات وكأنهما قضيا الليالي في صالونات السياسة، والسبب أن هناك من صنع هذه البيئة، ما جعلهم يعتبرون هذه اللغة علامة على التفوق، فلم لا يجيدها صف النخبة، مثلما يتباهى أهل هذا الزمان باستخدام المفردات الانجليزية وفي السابق في مصر الثلاثينيات بالفرنسية، لم لا؟!
والآن، ما هي الأدوات التي تصنع البيئة وتوجه المزاج العام؟ خذ على سبيل المثال التمثيليات الكويتية التي تملأ الشاشات الخليجية، انك تعرف أن هذه «تمثيلية كويتية» من خلال التشنج في كلام أفراد العمل التمثيلي، أب يتحدث مع أبنائه بغضب، زوجة شاب تكلمه بحدة، أم متجهمة الوجه، صراخ و.. «هذي مو عيشة»، يتبعها ضرب الباب بقوة ..الخ، اذن هذه «تمثيلية كويتية»، لا توجد فكرة جذابة، لهذا تم استبدالها بالتوتر كوسيلة لشد انتباه المشاهد، وهو أرخص من تكلفة أفلام الاكشن الأجنبية التي تشد المشاهد عبر انفجار سيارة واصطدام هيليكوبتر مع مبنى...الخ، حتى وان تمت عبر الخدع الالكترونية، الا ان الصراخ الكويتي أرخص، والأهم أن الجمهور الخليجي قد اعتاد عليه!
البيئة المحيطة اليوم تتشكل على يد الاعلام مثلما كانت البيئة العربية في زمن امرئ القيس تصنع شعراء نوابغ فتشتعل نار الموهبة في صدور الشباب المبدع، واليوم نحتاج الى صناعة بيئة مبدعين في العمل والانتاج الحقيقي، الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، ان الاعلام هو الذي يؤسس لتلك الميول، هناك دول خليجية يتبع اعلاميوها اتفاقا غير مكتوب تقدم بموجبه خطاب «الدولة» على «المنبر» وهو أمر تشاهده في قنوات تلفزيونية عالمية مثل محطة سي.ان.ان المملوكة لأفراد ومع ذلك فإنك لا تتصور اعلام الدولة الأميركية ابان حربي الخليج الأولى والثانية وما بعدهما بغير تلك المحطة لو سارت بالاتجاه المعاكس (المنبر قبل الدولة).
ان صناعة البيئة بشكل سلبي يمكن أن تؤدي الى خسائر غير مبررة، للتوضيح، كان وزير الإعلام أنس الرشيد في ذروة عطائه ومقتبل حياته السياسية، حينما تولى بعض صناع البيئة تطويقه بعقدة الشعور بالذنب بغير مبرر حقيقي، ودفعه للاستقالة من منصبه، حتى يتفادى تهمة عقوق تاريخ والده، وهكذا نجحت بيئة مفتعلة في خسارتنا لشمعة متوهجة عبر وضع غطاء كاتم ببضعة كلمات فتاكة.
كلمة أخيرة:
كمية الورق التي تتدفق طوال العام على المنازل من صحف مجانية ودعايات تجارية وانتخابية تكفي لبناء مستشفى دولي في الكويت.