فيصل الزامل
في مقابلة صحافية مع الأديب طه حسين سئل: «ما هو الكتاب الذي تقرأه هذه الأيام؟» فقال: «القرآن الكريم، ومنذ فترة طويلة لا أقرأ الا القرآن» هذا أمر طبيعي من أي شخص مسلم ولكنني تأملت في تأثر أصحاب الدراية في أي مسألة، قد يكونون أكثر من غيرهم تأثرا اذا وجدوا في مجال اختصاصهم ابداعا فائقا، انظر الى سحرة فرعون الذين وجدوا في حية موسى شيئا لا صلة له بما يصنعونه من تحويل العصي الى أفاع بمهارة السحرة في التأثير على خيال الناس وأبصارهم، فلما رأوا الإعجاز لم يتخلف واحد منهم عن الإيمان الفوري، ومثل ذلك وجدته في تأثر ملكة سبأ حينما دخلت الى الصرح وعند مرورها على الرخام الصقيل والشفاف اعتقدت أنها ستخوض في الماء فكشفت عن ساقيها (قال انه صرح ممرد) أذهلتها دقة الصناعة وهي من قوم ينحتون الصخر من الجبال ولها عرش من رخام صقيل فاخر، عندها (قالت رب اني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).
نحن الآن في شهر القرآن، ولا يوجد كتاب تقرأه عشرات ومئات المرات بغير أن تمل الا القرآن الكريم، عجائبه اتسعت لتبهر أهل اللغة بما اشتمل عليه من مثانٍ، وأدهشت معلوماته أهل التاريخ (ان هذا القرآن يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) وفاجأت المتخصص في الجيولوجيا اشارته الى أن «أدنى الأرض» هي منطقة غور الأردن التي ثبت أنها أخفض بقعة جافة في هذا الكون، ويذهل الجيولوجي من تحديد مصدر مادة الحديد التي ترسبت من غبار كوني وأنها ليست من التربة التي تتكون منها اليابسة (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد)، صحيح أن هذا الكتاب ليس منهجا لدراسة الجيولوجيا ولا الطب ولا الهندسة ولكن (لنثبت به فؤادك).
قال بعضهم «اذا أردت أن يخاطبك الله فاستمع الى القرآن، واذا أردت أن تخاطب الله فاقرأ القرآن» وقد يجول تساؤل في الخاطر عن مسألة من مسائل الحياة فإذا فتحت كتاب الله قرأت ما يلتقي مع لب موضوع تلك المسألة، أليس هو القائل: (واذا سألك عبادي عني فإني قريب) وعندما أتأمل في تمكننا من قراءة القرآن كون لغتنا الأم هي العربية، بينما تقرأه أمم يبلغ تعدادها ثلاثة أضعاف أمة العرب وهي لا تجيد العربية ومع ذلك تجتهد في القراءة قدر طاقتها، يحدوها قول النبي ( صلى الله عليه وسلم )«من يقرأ القرآن وهو عليه شاق فله أجران» أي أنهم ينالون ضعف ما يناله غيرهم، بل بلغني أن رجلا من قيرغيزيا لا يعرف العربية، يضع اصبعه على السطر من أول صفحة في المصحف ويحرك اصبعه على الكلمات حتى ينهي كل صفحة، وهو يقول عند كل كلمة «الله حق.. الله حق.. الله حق».
اخيرا، لابد من وقفة مع قراء كتاب الله في البلاد العربية ممن يتحفون أسماعنا بحسن التلاوة، واسمحوا لي بأن أتوقف عند الأخ مشاري راشد العفاسي، الذي وهبه الله مكرمة أحمد الله أني أدركتها فلا أمل الاستماع اليه، ولا ألوم من ترك صوته يتردد عند قبر رفيق الحريري لأسابيع بلا توقف لما يحققه من مشاعر الاطمئنان بقدر ما تقاربت قراءته مع فحوى الآيات العظيمة، فجزاه الله خيرا، وكل من اعتنى بكتاب الله قراءة ودراية.
كلمة أخيرة:
ضمتني جلسة مع الشيخ التسخيري - من ايران - قال فيها بلغة عربية جميلة «كنت قد طلبت من ابني أن يفعل شيئا فتردد، وفي اليوم التالي قام بما طلبته منه، فسألته: ماذا حصل؟ فلم يرد أن يخبرني، عزمت عليه، فقال: بعد أن انصرفت من عندك فتحت القرآن واذا أمامي قوله تعالى: (يا ابليس ما منعك أن تسجد اذ أمرتك)» كان قد اعتاد أن يلجأ الى القرآن عندما يحار في شيء، ثم أنهى الشيخ كلامه وهو يبتسم.